(قصة قصيرة)

كابوس

غفوت ليستريح جسدي المنهك.
بحرص ،فوجدتها لازالت على إتصالها
الطبيعي ،وتعجبت ..!!
شعرت بدفء سريري رغم أنني غادرته
منذ ثلاث ليال كاملة ، وشعرت بنوع من الإشتياق بيننا ،ألقيت بجسدي متلمسا
هذه المودة التي حرمت منها مرغما ،
فكم أتوق للنوم والأحلام السعيدة .
عيناي لازالت في يقظتها يجافيها النوم
وعقلي شاردا تدور داخله معارك طاحنة
أتابع صرير عجلات مركبة مجنزة،ودوي صاعقة تنزل من السماء فترتطم بالأرض، وأصوات جلبة ، وجدال بين رجل وإمرأة ، تعجبت أني لا أسمع سواهما وحديثهما تفوح منه رائحة طعام يتم تجهيزه ،وضحكات تعلو ثم تنخفض أشبه بنبضات القلب تحدث تأثيرها في الصدر فيعلو ويهبط بصورة منتظمة ، ثم سكون تعقبه عاصفة من المشاعر ..!!
أصوات باعة ينادون على بضاعتهم ،
وتتداخل أصواتهم ، ثم تتلاشى..!!
لا اتذكر شيئا بعد ذلك ..!!
غبت في نوم عميق حتى شعرت بتماسك أوصالي ،وهدوء أعصابي
وغفوة عقلي .
تيقظ عقلي من جديد ، رأيت شوارع
واسعة ، وسيارات فارهة ، وأضواء
مبهرة ،ومبان بطراز أوروبي على نمط
فندق سونستا على ضفاف بحر الإسكندرية.
رأيت لافتة باللغة الإنجليزية فوق أحد المبان ، فهمت أنها للبنك الدولي ، كنت
اشبه بشبح يتحرك، فيدخل في أروقة
البنك ،ويجوب كل مكاتب المؤسسة العريقة، ويتابع الاجتماعات ، رأيت
الجنيه على شاشات عملاقة ؛ فتعجبت
كيف به أن يتحرك ويسافر رغم ماحل به من هزال حتى ركله الأطفال بكلتا قدميهم مستهينين بمكانته وقدره ..!!
تابعت الجدال بين الموظفين الكبار
وحوارهم الساخن ، وأدهشني أن الجنيه
هو محور حديثهم ، ترجمت الحديث في تصور مذهل ؛ أن الجنيه لازال يقض
مضاجعهم ، ويقلقهم ،وتذكرت حديث أحدهم عن ماضي الجنيه ومكانته ،
وحضارة سبعة آلاف عام ، والأهرامات والمعابد بالأقصر ، وماخفي تحت الأرض من ثروات ...!!
قال آخر : هذا بلد لايموت ،وعملته التي
تتهاوى يمكن أن تعود ، ويا ويلنا لو عادت .
ضحك آخر ملء شدقيه قائلا:
لقد أغرقناهم في الديون حتى صارت
بأرقام فلكية وغرق مثل سفينة تيتانيك
العملاقة في قاع المحيط .
ضرب رئيسهم بما يشبه أداة القاضى على منصته طالبا الهدوء معقبا :
هذا المسكين الذي نتلاعب به له مريدوه
الذين لن يتركوه في غيابات المحيط
نخطىء لوتصورناه مات ولن يعود للحياة .
تلاشت الصورة تماما ، ووجدتني بجوار ميدان الأوبرا بهندام أنيق ، فدخلت ضمن جمهور من أصحاب الياقات البيضاء و الكرافتات الشيك، و أبنائي بملابس رسمية مثلي ،بينما كانت زوجتي وبناتي بملابس السهرة..!!
برنامج الحفل كان أوبرا عايدة لفيردي
قرأت في الصحف عن عايدة المصرية
وقصتها العالمية ، وها أنا ذا سأشاهدها
بالأوبرا العريقة ..!!
جلست وأسرتي في اللوج المخصص ،
وتجولت ببصري في جميع الأنحاء
أسعدني مارأيته من مشاهد حضارية راقية و إمتلأت غبطة بقادم الساعات
هالني اللون الأسود بالمقابل ، تفحصت
بعين فضولية ،وجدت لفيف من رجال
الدين اليهودي بزيهم بالغ القتامة ،
وعلمت فيما بعد أن الحفل سيكون باللغة العبرية وتؤديه السوبرانو الشهيرة
وهي يهودية الديانة .
كان التمهيد بالسلام الجمهوري ،فوقفنا
ولم أجد أي منهم يقف ..!!
وشرعت الموسيقى في عزف نشيد الكيان الصهيوني فشغلت نفسي وأبنائي
وآثرت عدم الوقوف ..!!
شيئا ينغرز في لحم ظهري ،هالني حين استدرت ،وجدته جندي صهيوني يأمرني باحترام النشيد الوطني لدولتهم
الغاصبة ،وهم بشد الأجزاء مهددا بقتلي ، وقتل أبنائي ..!!
تيقظت من غفوتي ،وصرختي توقظ زوجتي، وتأتي بأبنائي من غرفهم .
شربت الماء بينما عملت زوجتي على
تهدئة روعي قائلة :
ماذا ألم بك؟!
قلت دون أن افصح :
لا عليك حبيبتي ، الحمد لله أن ما رأيته
في المنام كان مجرد كابوس و ليس حقيقة ..!!
فتحت زوجتي التلفاز ، رأيت موجز النشرة يعيد صورا من طوفان الأقصى
فصحت بأعلى صوتي :
الله أكبر الله أكبر ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .

عادل عبدالله تهامي السيد علي


مصر.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق