Translate

السكرُ اللَّاذعُ للكاتب المصري / محمد خيرالله



 السكرُ اللَّاذعُ

وحيداً أبقى في هذه الغرفة، أو ربما هذا ما أشعر به، بأعلى زاوية السقف يَسكْنُ عنكبوتٌ، يتدلَّى بخيطهِ الغير مرئي ليلتقِطَ بَعْضَّ صِغارِ البعوضِ الذي يتَخبَّطُ في أروقةِ المكان، تقتحمني أفكارٌ كلَّ ليلةٍ وأوقات كثيرة قُربَّ بزوغ الفجر، تُمزّقني إلى أشلاءٍ مبعثرةٍ دونَ رحمةٍ، لكن دائماً ماأستَّجمعُ قواي، أرتبُ بعضاً منها،أسْتَّندُ عليها، ثمَّ أذهبُ إلى عملي الممقوت، كم تمنيتُ تكراراً أنْ يَتجسَّدَ في هيئةِ شخصٍ؛ فأقتلهُ من بعيدٍ حتى لايراني!
،لكن دائماً أردد عبارة منقوشة أعلى شرفة المنزل "أنا في أمسِّ الحاجة إليه ريثما أموتُ أو يهبطُ عليَّ كَنْزٌ من السماءِ"، إنَّها المُعجزاتُ غير الممكنةِ، على كلِّ حالٍ، لزاماً عليَّ أنْ أرتدي معطفي الثقيل، أخرجُ من هذا الكهف المظلم الذي أعتدتُ عليه، أُسرع الخطى نحو محطة القطار، تتعثرُ قدماي في هذه الأحجار السوداء الموضوعة بإتقانٍ بين قضبان السكك الحديدية، أنظرُ للخلفِ، حتى لا يَلْحقُ بي أحدُ الأشخاصِ الذين اِعْتادوا في نفس الوقت والمكان أنْ يتهافتوا على ذلك الرصيفِ المقابل؛ فيفوزوا بموضعِ قَدمٍ في العربةِ الأخيرة
الملاصقة لعربة نقل البضائع والحيوانات، هذه العربة منزوعة المقاعد، أو بالأحرى تُوجَّد بقايا قطع حديدية مُهشَّمة، يُعْتقدُ أنَّها تَرجعُ لعصرِ العرباتِ ذواتِّ المقاعدِ الخشبيةِ، هذا ماحكاهُ لنا مِنْ قبلُِ رجلٌ كان دائماً يجلسُ بجوار فتحةِ البابِ المُهدَّمِ نِصْفَهُ، على كلِّ حالٍ الأجسادُ القويةُ تَفوزُ بها ويجلسون عليها، أماالضعفاءُ فيتسمرون في هذا الفرسخ اللعين، يتملكهم رعبٌ شديدٌ مخافة ضياع المكان أو تَسلَّطُ أحدُ الركابِ ذوي الهيمنة عليهم، عَبْرَّ السياجٍٍ الحديدي تَعْلقُ اِمرأةٌ عجوزٌ، وهى تحاولُ اللحاقَ بالقطارِ القادم من بعيدٍ، المارةُ هنا وهناك لم يلتفتوا إليها؛ فقد كانتْ أعينهم مُثبَّتةً على تلك الفتحة التي تشبه فتحة القبوِ إلاَّ أنَّ الأخيرةَ ثابتةٌ والأخرى مُتحركة، لم يستغرقني التفكيرُ طويلاً، وهكذا لم تثرني الاهتزازات الارتدادية العنيفة لصوت عجلاتِ القطارِ الضخمة، سُرعانَ ما رَجِعْتُ إليها وخلَّصتُها من هذا القيدِ بعد أن تمزقتْ قطعة كبيرة من جلبابها، صوتُ بُكائها يهزُّ وجداني، لا أعلمُ أ دموعها المنهمرة سببها عدم اللحاق بالقطار أم هو فقدانها آخر أثوابها البالية!؟ حاولتُ إرضائها بكلماتي الرقيقة، ثم خلعتُ معطفي، ألبستها إياهُ، ربما الآنُ أشعرُ بالدفءِ قليلاً، ثُمَّ ضحكنا ملياً عندما سمعنا صوت منادٍ القطار يقول:
" على حضراتِ السادة الركاب الذين لم يحالفهم الحظُ اللحاق بالقطار، أنْ يتجهوا إلى عربةِ الحيوانات، وألاّ تقلقوا منها فهى أليفةٌ".
محمد خيرالله، مصر
قد تكون صورة ‏‏‏‏شخص واحد‏، و‏لحية‏‏، و‏‏ابتسام‏، و‏نظارة‏‏‏ و‏غرفة نوم‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة