Translate

فصل من رواية ( فتاة الصباح ) للروائي العراقي المبدع / عبد الزهره عماره

 



فصل من رواية

فتاة الصباح

للروائي العراقي المبدع

م. عبد الزهره عماره




تحرك القطار مساءً من محطة البصرة متجها إلى العاصمة بغداد وبداخله الشاب غسان  ذو الخامسة والعشرين من العمر  ووجهه الوسيم الأسمر، لا تبدو عليه  أثار المعاناة والقهر، وفي عينيه جحوظ خفيف لكنه لا يؤثر على وسامته من شيء . كان الوقت صيفا والجو حارا مشبعا بالرطوبة، وقد ارتدى قميصا أبيضا وبنطلونا رصاصيا وقد جلس على أحد المقاعد الوثيرة بارتياح بالغ يفكر بالوظيفة الجديدة، وكان في توديعه كل من الأم والأب والأخت راغدة .

وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح اليوم الثاني كان قد وصل غسان  إلى بوابة الشركة العامة لصناعة السجاير في الكرادة في بغداد

وعند استعلامات الدائرة ألقى التحية على مسئول الاستعلامات  الذي بادره بالترحيب والاحترام قائلا

ـ أهلا وسهلا .. تفضل ...

قال غسان  بصوت دبلوماسي

ــ أرغب في مقابلة السيد مدير الإدارة

- ممكن اعرف السبب ؟

قام غسان  وقدم له أوراق تعيينه في الشركة .. راح مسئول الاستعلامات يتفحص ويقرأ الأوراق؛ ثم قام من مقعده وقال بتودد واحترام  :

ــ عفوا أستاذ .. .. أهلا وسهلا ... تشرفنا .... نحن في خدمتك  تفضل معي لمقابلة السيد مدير الإدارة ....

ودعاه إلى اللحاق به ودلف في ممر طويل ثم عرج يمينا ووقف أمام غرفة بابها عريض كتب على لوحة بيضاء ” مدير الإدارة ”

طلب منه الانتظار حتى يدخل عليه ليخبره بالموضوع .

مضى وقت قصير حتى خرج  ليعطي الإشارة إلى غسان  بالدخول

دخل غسان  وتراءى أمامه دنيا جديدة .......

حجرة مستطيلة الشكل ...  طقم من القنفات الكبيرة المذهبة ...جدارية تعلو أحد الجدران تحمل أية  الكرسي ... وجها لوجه مع  رجل هو بمثابة كتلة من لحم.... رجل بدين .. أصلع الرأس إلا من بقايا شعيرات قليلة متناثرة في الجانبين من وجهه المستدير ... يضع نظارة زجاجية على عينيه تستند على أنفه البارز الكبير؛ سلم على المدير وحياه بتحية خاصة وقلبه يدق دقات مضطربة .....

رحب به قائلا بصوت أجش :

ــ أهلا وسهلا  بالأستاذ تفضل ..اجلس

وبأدب متواضع قال :

ــ شكرا أستاذ

ضغط على الجرس ... جاءه الفراش ... أمره بجلب قدح شاي للأستاذ غسان 

راح مدير الإدارة  يقلب أوراق تعيينه...

ومضت دقائق حتى تمت كتابة أمر التعيين وأصطحبه إلى المدير العام  للمصادقة عليه وتوقيعه؛ وقدمه له الذي رحب به وأعطى توجيهاته إلى مدير الإدارة لإلحاقه بالدائرة الفنية

واستدعى مدير الإدارة مسئول العلاقات العامة  وكلفه بمرافقة الأستاذ غسان  وتخصيص مكتب له وتحضير كافة مستلزماته .

قال الأستاذ غسان  لمسئول العلاقات العامة

- إنني بحاجة إلى أن أعرف بعض التفاصيل عن العمل !

أبتسم المسئول قائلا

- لا تستعجل أستاذ .. فالوقت أمامك طويل ... أخبرني المدير أن أرافقك طيلة الأسبوع  لتلبية حاجياتك

-  أشكرك جدا ومن القلب

- والآن اجلس لتأخذ قسطا من الراحة بعد عناء السفر الطويل !

وتوقف ثم أردف مغيرا مجرى الحديث قائلا :

ــ كيف هي حال البصرة؟

ـ بخير

ـ ناس طيبون أهل البصرة وعلى قد حالهم

- شعور تشكر عليه أستاذ

- كان لي أصدقاء من البصرة أيام العسكرية كانوا مثال للطيبة والأخلاق

- الله يبارك فيك أستاذ على هذه الثقة الكبيرة

- وهل جميع أهالي البصرة بشرتهم سمراء ؟!

- لا .. قسم غير قليل تكون بشرتهم بيضاء لكن ليس بالبياض المعهود كالحليب مثلا !

- ليس المهم الرجال!

- اعتقد تقصد البنات !

- آه ... كذلك هن أيضا منهن السمر وأيضا الشقر

ولاحظ غسان  أن زميله بدأ يبالغ في سرد الأسئلة عليه لذا حاول جاهدا أن يقطع عليه الطريق قائلا :

- هل أجد هنا شقة قريبة للشركة ؟

- آه .. موجودة وعلى مسافة غير بعيدة عن الشركة .

- ممكن تدلني عليها وأكون ممنون منك  ؟

- بكل سرور .

- أكيد ؟!

- اعتبرها في الجيب .

- ما أسعدني وأنا التقي بك أستاذ !

- سنذهب حالا إلى صاحب الشقة .

ــ كم أنا محظوظ ... بهذه السرعة ؟!

- طبعا

وما هي إلا ساعة وكان كل شيء انتهى ...

استلم غسان  مفاتيح الشقة، وكانت نظيفة ومريحة ومؤثثة بالكامل، وفي الطابق الثاني وقريبة إلى الشركة

قال مسئول العلاقات :

- والآن حان وقت الغداء .

- آه صحيح .

- فلنذهب إلى المطعم الذي أرتاده باستمرار واعلم أنت ضيفي حاليا !

ـــ والله لقد أخجلتني !

ـــ والله صدقني لا أعرف لقد مال قلبي إليك أخي الكريم .

ـــ وأنا كذلك لقد ارتحت إليك من النظرة الأولى .

وبعد الغداء رجع غسان  إلى الشقة، وقد ودع زميله المسئول شاكرا له حسن استقباله وتعبه معه .

ارتمى غسان  بجسده المتعب على السرير بملابسه بعد أن نزع حذاءه، وغط في نوم عميق .



 

ـ✹✹✹

ومضى أكثر من شهر  ...

ثم سافر إلى البصرة لرؤية أهله وبقي هناك أربعة أيام، ثم عاد إلى  بغداد منشرح الصدر، ومرتاح البال ..

وفي مساء يوم الجمعة لمح فتاة تقف في شرفة الشقة المقابلة لشقته، وهي تبكي بحرقة ...

كانت الفتاة أية من الجمال الطبيعي .. تجاوزت العشرين من عمرها كما يبدو ... شعرها الأسود ذو الضفائر الطويلة التي تتدلى على صدرها الناهد ... خدودها وأنفها محمرة من أثر البكاء؛ ضربت بيدها الحائط ضربة قوية دلالة على عمق التأثر والألم الذي أصابها ... تتنفس بعمق وتفرك بأصابعها عينيها الدامعتين، ثم ترفع كفيها إلى الأعلى تنادي ربها بكلمات من الدعاء والتوسل أن يخلصها من هذا العذاب القاتل الذي تعاني منه.

كان غسان  يختلس النظر إليها وقد بهره جمالها الصارخ؛ وكان يتألم هو الآخر على مصاب هذه المسكينة التي تتعرض إلى شيء فظيع كما يتصور ويعتقد وقال في سره :

- حرام أن تبكي وهي ملاك !

لكنه لا يعرف بالضبط ما هو الدافع القوي الذي جعلها تبكي وبحرقة، ربما كانت تتعرض لضرب أو إهانه كبيرة من قبل عائلتها أو زوجها، إذا كانت حقا متزوجة وهذا ما كان غسان  يجهله .

وبعد دقائق كفكفت دموعها، ومسحت خديها، وعادت من باب الشرفة إلى داخل الشقة، وبقي غسان  حائرا يفكر بهذه الفتاة المسكينة، وأخذه الفضول لمعرفة المزيد عنها لكن كيف ؟

شغلت هذه الفتاة فكر غسان، وكم كان يتمنى أن تخرج مرة ثانية ليتمتع بهذا الجمالي الأنثوي المثير ...

لكنها غابت ولم تظهر طول النهار ..

ولم ينم غسان  طيلة الليلة من شدة ما استولت هذه الفتاة على قلبه وفكره حتى بزوغ الشمس .

وفي الصباح وقبل أن يذهب إلى الشركة طالع الشرفة لكن لم تظهر الفتاة .

غادر الشقة إلى عمله في الشركة، وفكره مشغول، وطول الوقت يفكر فيها .

لقد أخذت قلبه .. روحه .. سيطرت على كيانه ... كان يعمل في الشركة وقلبه هناك ...

وكم تمنى أن يمر الوقت بسرعة حتى يذهب إلى الشقة عسى أن يراها ...

وفعلا رآها عندما وصل إلى الشقة عند الساعة الثالثة والنصف عصرا ...

رأى تلك الفتاة وهي تنشر الملابس على الحبل المثبت على الشرفة ..

شعر بسعادة لا توصف .. ظل ينظر إليها ولم يرتوِ منها حتى انتهت من نشر الملابس، واختفت في داخل الشقة بينما بقي هو مشدوها لا يعي ما ذا يقول ؟

لا زالت عينا غسان  تحدقان صوب الشرفة الفارغة لكن الحبيب غاب نهائيا ولم يظهر طيلة المساء .

وفي الصباح الباكر من اليوم التالي ألقى نظرة سريعة على الشرفة ولم يجدها في حين سدد نظراته إلى أسفل العمارة؛ فرآها تخرج من الباب الرئيسي؛ فقرر فجأة وبدون تخطيط أن ينزل وبسرعة ويمشي حتى لحق بها بعد عدة أمتار

ورنا إليها؛ فاهتز كيانه من جمال وجهها وأحس شعورا لذيذا ! لقد مسَّت فؤاده هذه الأنوثة الطاغية،  وصار بقربها وتجرأ وسألها بخجل :

- عفوا صباح الخير !

فالتفتت إليه؛ ولم ترد عليه التحية بل واصلت المسير؛ فعاد غسان  يقول لها :

- عفوا هل يوجد هنا فرن صمون قريب ؟

تململت وردت عليه قائلة ساخرة :

ــ وهذا الفرن ألا تراه عيناك ...

وأشارت بأصابعها نحو الفرن !

قال وهو يشعر بالإهانة والإحراج :

- عفوا أنا جاركم وحديث السكن في الشقة المقابلة لشقتكم .

رفعت بصرها ونظرت إليه؛ ثم غضته وطافت على شفتيها ابتسامة خفيفة؛ ولم تقل شيئا؛ وأكملت سيرها في حين تابع غسان  قائلا بأدب وانكسار :

- أنا آسف ربما سببت لكِ الإحراج !

صدم غسان  بجمالها وهو يراها عن قرب .. تحركت مشاعره وألهبت عروقه .... دغدغ أحاسيسه صوتها .. هام بها .. غرق في غرامها من النظرة الأولى .

رآها عن كثب .. فوجدها ممشوقة القوام بيضاء البشرة واسعة العينين ينبعث منهما بريق خاطف .. كانت طويلة الأهداب صافية الوجه لم تنتشر فيه المساحيق أو الأصباغ كان نقاء بشرتها طبيعيا خالي من البثور أو النمش مما يثير شهية الناظر دون استئذان ..

أحس غسان  شعورا جديدا يتفجر في صدره، وشعر بالغبطة تدغدغ قلبه، وهو يرنو إليها بعينين زائغتين لا يصدقان هذا سحر هذا الملاك الماثل أمامه وهو يمتلك كل مقومات الأنوثة الصارخة ...

اشترى غسان  الصمون ورجع مسرعا إلى الشقة .

خرج إلى الشرفة ليلقي نظرة عليها، لكنها لم تكن موجودة ..

انتظرها قليلا لكنها لم تظهر ..

في حين أنها كانت في الحقيقة تختلس النظرات إليه عن طريق شباك الغرفة المطلة على الشرفة وهو لا يدري ..

كانت تنظر إليه وهي تضحك ...

ومرت دقائق ..

أطلت الفتاة ونظرت إليه نظرة خاطفة وابتسمت وغابت ..

استقبل غسان  بسمتها بكثير من الفرح والارتياح لكنها غابت سريعا وتركته يتلوى .

غادر إلى الشركة وهو يعيش حلاوة العشق ومرارة الحب في آن واحد ... لا يعرف سر هذه الابتسامة الخاطفة التي أطلقتها الفتاة له هل هي إعجاب أم نفور ؟.. لا يدري ..

 

ـ✹✹✹

وفي المساء ..

اختلى غسان  في شقته وجلس أمام المنضدة التي يستخدمها للكتابة وقرر أن يكتب لها رسالة

احتار في البداية ماذا يكتب لها .. هل يكتب لها حبيبتي أم يكتب لها مباشرة كلمة واحدة فقط أحبك !

وبعد عناء من التفكير كتب لها عدة اسطر لكنه عندما أعاد قراءتها لم تعجبه؛ فقام وكورها ثم مزقها؛ ورماها في سلة المهملات ..

وعاد وكتب كلمة واحدة أحبك لكن بعد وقت قصير أيضا مزقها ورماها في سلة المهملات كسابقتها .

وأخيرا اهتدى إلى ألا يكتب لها أي شيء سوى أن يبعث لها رقم الهاتف

اقنع نفسه بهذا الأجراء وأنتظر صباح اليوم التالي ودس جسده تحت الغطاء وراح يفكر فيها، وتخيلها بقامتها الممشوقة وضفائر شعرها الطويلة وعينيها السوداوين ذات البريق النافذ فشعر بالنشوة تدب في قلبه وباللذة تسري في عروقه .

وانتظر صباح اليوم التالي حتى يلتقي بها وهي ذاهبة إلى فرن الصمون ليسلمها رقم الهاتف ويقول لها أن تتصل به ليلا عندما تسمح لها الظروف  .

وفي الصباح رآها تهبط من سلم العمارة وتخرج من الباب الرئيسي؛ فأسرع هو الأخر يهبط من سلم العمارة؛ وانطلق يسير على عجل ليلحق بها .

ظل يسير خلفها حتى صار بجوارها وبدأ يلتفت يمينا ويسارا ومن الخلف وعندما تيقن أنه لا يوجد ما يثير الشك دنا منها وقذف لها ورقة الهاتف قائلا :

ـ صباح الخير .. أرجو أن تتصلي بي ليلا  !

أصابها الذعر والخوف من أن يلمحها أحد ..

وتجاوزها غسان  بسرعة نحو فرن الصمون في حين أنها شعرت بالارتباك وقبضت على الورقة؛ ودستها في صدرها واشترت الصمون وعادت مسرعة إلى الشقة وآثار الارتباك ظاهرة على وجهها .

عاد غسان  إلى الشقة وفورا إلى الشرفة لكي يتطلع على ردود الفعل للفتاة ..

انتظر قليلا حتى شاهدها تخرج إلى الشرفة، وابتسمت له وهزت رأسها وغابت بسرعة عن الشرفة إلى الداخل حينها عرف أنها بدأت تميل إليه فاستحسن الوضع الجديد وشعر بالارتياح الذي دب في قلبه وبالسرور الذي سرى في عروقه .

غادر غسان  الشقة إلى الشركة وكانت في نفسه لهفة واشتياق للحديث معها  منتظرا موعد المكالمة الهاتفية ليلا .

وكم تمنى أن يمر الوقت بسرعة في الشركة ليلتقي بها على الهاتف ويسمع صوتها ...

وقاربت الساعة الثالثة مساء وغادر الشركة إلى الشقة وهو في أسعد حال ..

وقذف بنفسه على الفراش ورفع عينيه نحو سقف الغرفة يتخيلها ويذوب في سواد شعرها الطويل.. يفكر بها ... يحلم بها ...

وهو في خضم التفكير والهيام والأفكار الجياشة التي رسبت في عقله دق جرس الهاتف ..

قام مذعورا ...

رفع سماعة الهاتف قائلا

- ألو

ولم يرد أحد

كرر كلمة الو .. الو....  عدة مرات

ولم يرد عليه في حين كان متيقنا بأن الهاتف من الطرف الثاني لا يزال مفتوحا

أنتظر قليلا ؛ وأخيرا سمع الهاتف يغلق وخاب أمله ..

رجع إلى الفراش مرة ثانية وهو يفكر بها ...

وبعد مرور أكثر من نصف ساعة رن جرس الهاتف وهرع غسان  نحوه .

رفع سماعة الهاتف قائلا

- الو !

سمع من الطرف الثاني صوتا خفيفا ناعما يقول

- مرحبا !

دارت الدنيا في رأس غسان  ولم يرد على المتصل بل غاب عن وعيه في حين كرر عليه المتصل

- الو ... أستاذ غسان 

ارتبك قليلا وبدأ يطرح سؤال كيف عرفت اسمي

اضطر بعد ثواني أن يرد قائلا :

- نعم أنا غسان .

وسمع الطرف الثاني يقول :

ــ أنا ناهد سكرتيرة المدير العام

قبض صدره وقال بإحباط :

- أهلا وسهلا

- المدير العام يطلبك في مكتبه  لأمر ضروري وفي الحال .

- حاضر

شعر غسان  بمرارة بالغة وغصة تكاد تخنقه ..

ارتدى ثيابه وغادر الشقة إلى الشركة ...

بقي في الشركة أكثر من ساعة ثم عاد قافلا إلى الشقة متذمرا ناقما وهو يقول :

ــ ما هذا الحظ السيء !

وصمت ثم تمتم :

- لا زال أمامنا متسع من الوقت لكي تتصل الفتاة واقنع نفسه وهدأ .

لكنه لن يهدأ ..

بقي ساهم البال شارد اللب ..

لا زال طيفها يراوده كل لحظة وكل ودقيقة ..

بل خرج إلى الشرفة مستطلعا عسى أن يلمح الفتاة ..

بقي ينتظر ..

وأطلت الفتاة ..

قفز قلبه من بين ضلوعه ... شاهدها وهي ترفع أصابعها وترسل له إشارة مفادها ستتصل به الساعة الحادية عشر بعد أن ينام أبويها وإخوتها الصغار

فهم غسان  الإشارة وهجع بعد توتر

وعند الساعة الحادية عشر ليلا ...

رن جرس الهاتف؛ فأسرع إليه ورفع سماعة الهاتف وانساب له صوت نسائي ناعم ورقيق يقول :

- الو ..

ورد على الصوت قائلا :

- مرحبا .. كنت انتظرك بفارغ الصبر 

- غير معقول .. لا أصدق !

ــ صدقيني .. من كل قلبي وعقلي كنت انتظر سماع صوتك .

- يسعدني جداً التعرف عليك وكنت مترددة قبل أن أتصل بك .. كنت خائفة من أهلي .. أخبرني عن اسمك رجاء

- غسان .

- وأنا صابرين ..

- عاشت الأسماء !

- جميل جداً ... أن التقي بشاب مثقف ... متى نزلتم هنا ؟

ـ أنا من البصرة ..جئت أعمل في شركة السجاير هنا في الكرادة كمبرمج حاسبات وأعيش وحدي في الشقة

- أها

- ممكن أعرف من الذي كان يبكيك ؟

- أوه حديث طويل

- ممكن أسمعه ؟

- ربما يزعجك إذا قلت لك

- لا بالعكس يمكن أفيدك في شيء

- لنتركها إلى وقت آخر

- كما ترغبين ..أحترم رأيك رغم أني على أتم الاستعداد لبذل كل جهد تطلبيه في سبيل حل أي مشكلة تعانين منها

فهتفت في دهشة :

ــ أصحيح ما تقوله ؟

ــ طبعا .. تأكدي .. سأفعل كل ما تطلبيه مني من اجل مساعدتك .

ــ لا اعتقد تقدر .

ــ جربي ولن تخسري !

ــ الموضوع صعب الحل ... ليس كما تتصور .

- إذا كانت بيننا الثقة المتبادلة سيكون كل شيء سهل وبسيط .

- لا أريد أن أحشرك في موضوع أنت في حل عنه .

- اسمعي صابرين .. اعتبريني أنا المنقذ الذي جاء لينتشلك من المأزق الذي أنتِ فيه

ــ سأقول لك بعد ما اكتشف انكَ جاد وتريد مساعدتي، لكن يجب عليك أولا أن تحكي لي كل شيء عن حياتك !

- بكل سرور .

وبدأ يشرح لها تفاصيل حياته كلها وهي تستمع بشغف وطمأنينة حتى قاربت الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندها ودعته شاكرة على أن تتصل به يوم غد وعند الساعة الثانية عشر ليلا .

دس جسده تحت الغطاء؛ ووضع ذراعيه تحت رأسه ومضت عيناه تدوران في جدران الغرفة تبحثان عن طيف صابرين وتخيلها في دنيا الأحلام ورأى نفسه وصابرين يجولان في بستان مليء بالبرتقال والرمان ويقطفان الثمر، وهي تركض بثوبها الأبيض الفضفاض ويهرول خلفها كي يمسك بها وهي شاردة كالغزال وأخيرا دنا منها وراح يرنو إليها وفي قلبه ثورة جامحة من العواطف وفاضت مشاعر الحب؛ فغدا  يضمها إلى صدره ويقبلها ..

ثم ..

صحا من حلمه متقطع الأنفاس ..

وسيطر عليه سلطان النعاس وأسبل جفنيه وغط في نوم عميق ..

ـ✹✹




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة