Translate

قراءات في رواية شعبان في خبر كان

  


الكتاب ضمن سلسلة كتب تصدرها دار أمارجي الرائدة للطباعة والنشر
وذلك في إطار المبادرة التي  أطلقها الأديب والروائي الكبير م. عبدالزهرة عمارة



رؤية تأويلية  في رواية  (شعبان في خبر كان) : للروائي متولي بصل

                                                       أ.د مصطفى لطيف عارف

                                                       ناقد وقاص عراقي


رؤية تأويلية  في رواية  (شعبان في خبر كان) : للروائي متولي بصل

أ.د مصطفى لطيف عارف

ناقد وقاص عراقي



   هذه محاولة في ارتياد أفق من آفاق الشعرية ، هو الأفق الذي يربط الشعرية بالسيمياء والتوصيل وفك شفرات أو إشارات النص ورموزه وطرائق تكثيفه وترميزه ، عبر اعتماد آلية التأويل وتلقي النص الأدبي للكشف عن المعنى الغائب أو معنى المعنى ـ كما يقول الجرجاني ـ وهو أفق رأينا ألا نختار معه منهجية محددة بعينها ـ كما اقترح احد النقاد [1]ـ  وإنما سنعمد إلى جمع شتات نظريته من مظان كثيرة ، تصب كلها في خانة واحدة هي محاولة الوصول إلى معنى المعنى أو المعنى الغائب للإشارات والعلامات السيميائية ، ومما لا شك فيه أن البحث في العلامة والإشارة قد ارتبط تاريخيا بمناهج ما بعد البنيوية ، ولاسيما المنهج السيميائي بمرجعياته المختلفة ومدارسه المتنوعة ، سواء أكانت أوربية مع دي سوسير أم أمريكية مع بيرس ، وهذا جعلنا أمام منهج متشعب ومتعدد الاتجاهات ، ومما زاد الأمر التباسا وتشعبا  تداخل هذا المنهج مع مناهج وتصورات واتجاهات نقدية أخرى متساوقة معه ، كالتأويلية والتوصيلية ، فضلا عن اتجاهات القراءة والتلقي ، ولأن البحث يتطلب حضور كل تلك المناهج والتصورات والاتجاهات النقدية ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ كان لابد لنا من الأخذ منها بما يخدم قضيتنا في رواية (شعبان في خبر كان) للروائي متولي بصل , واجتناب التعمق فيها ، لأن خلاف ذلك سيفضي  إلى متاهة يصعب الخروج منها ، ولا مناص من القول هنا إن هذا الأفق النقدي قد حظي ـ الآن ـ باهتمام النقاد والباحثين العرب ، ولاسيما في جانبه النظري ، إلى درجة طغى فيها جهدهم النظري على بعض المحاولات التطبيقية المتواضعة ، ربما بسبب عدم اهتمام النقد بما تقوله النصوص الأدبية ، بل بالكيفية التي تقوله بها ، وانسجاما مع ما تتطلبه المنهجية العلمية والأكاديمية في مثل هذه المواقف ، فقد هيأت لنا افتتاحية هذه الرواية  من الخوض في ذلك الجهد الروائي الرائع   ، على أننا لا نأتي بجديد هنا غير ما يحسب لنا من إمكان الخروج بجهد نظري هو في الواقع  حوارية نظرية تسمح بتكامل المناهج الداخلية والخارجية في تفاعل وتداخل وهذه المقدمة النظرية لا تدعي التعمق في استقصاء أطرافه تلك الخلطة كافة،إنما هي وقفة أملتها الرواية ,ومثل هذه النهاية تضع الرواية أمام تساؤلات وتأويلات عديدة فيما إذا كان الأمر مقصودا للإشارة إلى حالة المتاهة التي قد يدخلها الإنسان في مجتمع غريب , ويضع أثره نهائيا , أو الإيحاء بان الحضارة تمتلك القدرة على افتراس الغرباء وتدخلهم في متاهات قاتلة ,  يمكنهم الفكاك منها [2]

إن ما يجمع النظريات النقدية الحديثة هو اعتراضها على الرأي القائل إن المعنى كامن كليا في النص وملفوظه اللساني ، فالمتلقي بفاعلية الفهم قادر على تشقيق وجوه لا نهائية لمعنى النص بإعادة بنائه وإنتاجه وتلقيه[3]، أي إن هذه الاتجاهات أو النظريات النقدية الحديثة كالقراءة والتلقي ترفض حصر المعنى بالنص وتميل إلى الاعتقاد بأن القارئ هو الخالق الحقيقي للمعنى ، ذلك لأن أبسط مفهوم للقراءة هو دمج وعينا بمجرى النص[4]، وعلينا التأكيد هنا على أن هذه النظريات النقدية الحديثة هي جهد علمي متميز ـ وليست هرطقة  كما يتصور بعض الناس [5] ـ يولي اهتماما بالمضامين وصولا للمصطلحات بإزاء ما يفرزه الزمن من تحديات جديدة ، ويمكن أن نطبق هذه النظريات على روايتنا  فنكتشف حينها شيئا جديدا لم نسمع به [6] ، ويبدو جليا أن الأساس الذي اختلفت فيه اتجاهات ما بعد البنيوية مع البنيوية ، هو المعنى وبكلمة أوضح هو التأويل أو استنباط دلالة النص ، وفي هذا الصدد نجد من الواجب الإشارة إلى أن علم التأويل ( الهيرمينوطيقا ) الذي اختلفت النظريات النقدية في فهم آليته الإجرائية ، كان مدار حديث النقاد والفلاسفة منذ آلاف السنين وهو لم يكن من بدع زماننا هذا ، منذ أرسطو والسفسطائيين مرورا بمعنى المعنى عند الجرجاني [7] ، بيد أن الذي حصل الآن هو أن ( الهيرمينوطيقا ) بوصفه دراسة معنى الروائي متولي بصل  في كلماته وتعابيره ـ كما في الفهم الكلاسيكي أو التقليدي ـ قد تحول إلى دراسة المعنى الناتج من عملية فهم المتلقي [8] بعد أن كانت البنيوية تحيله إلى مرجعيات معجمية ، ولكن الأمر يزداد تعقيدا ، ولاسيما مع النصوص التي تربك القارئ أو المتلقي ، تلك النصوص التي سميت في عصرنا الحديث                      ( الخطاب أو النص ) [9]، ففي هذا النص نلمس سهولة  في التوصل إلى دلالة واحدة محددة ، كأن ينطوي على دلالة إيحائية وأخرى تقريرية ، وعلى أية حال ، فليس كل النصوص واضحة جلية تقدم نفسها للقارئ من دون وجود مشكلة في التوصل إلى دلالتها الحقيقية ،ومن ثم لا تكلف القارئ جهدا وعناء ,أن ما يميز الروائي متولي بصل  في روايته (شعبان في خبر كان) قدرته في التأويل أن يشرك القارئ معه في التحليل  وأن يعتمد على ذكر احدث قديمة  ويشرحها أثناء كتابته للرواية وهو يحتاج  إلى قارئ  مثقف  ومتمكن من اللغة والنقد حتى يفهم الرواية , ويعني به المعنى الحرفي الموجود في النص السردي  الذي وضعه الروائي  فيه وقصده ، فهناك نصوص ( خطابات ) يحتاج فهمها إلى تأويل ، وهو ما أطلق عليه هيرش بـ            ( المغزى )[10]،وبعبارة أدق إن التأويل يعمل على الخطابات التي تحتمل دلالتين فيبرز الثانية البعيدة على وفق قرينة من جهة الأخرى[11]،وبالتأكيد أن ذلك يشمل الخطابات السردية  بوصفها أكثر أنواع الخطابات احتفاء بالرموز والإيحاء والغموض[12] ، ذلك لأن أهم وظائف الخطاب السردي هو خلق الالتباسات وجعل الوعي لاعبا يقظا وهو يقوم بتنفيذ اللغة التواصلية  [13]، فالنص الروائي لا يهدف إلى تقديم معنى محدد ، إنما يسعى إلى تقديم حالة متكاملة ذات أبعاد تصويرية نفسية جمالية ، فيجعل الجزم بمعنى واحد أمرا صعبا لا تطمئن إليه أذهان المتلقين ، فيصبح التأويل ضرورة لا مفر منها ، أي إن النصوص التي تحقق قدرا كبيرا من الانزياح عن حدود الفهم ، فقد يظن قارئ ما انه استنفد كل ما فيها من دلالات ومعان ، ويأتي آخر فينمي فيها علائق ودلالات جديدة لم يفطن إليها القارئ الأول ، ومن ثم فان التأويل حاجة تتطلبها النصوص التي تحقق قدراً معقولاً من العمق وتعاند المتلقي وتستعصي عليه دلالاتها ومقاصدها [14] ، فيفضي إلى تحفيز القارئ للمشاركة الفاعلة في تأويلها ، وعلى أية حال ، فالنقاد بوصفهم متلقين توصلوا إلى تأويلات كثيرة للخطاب ، وفي بعض الأحيان يكون التأويل أفضل من توجيه الروائي نفسه [15] ، لأن الروائي قد ينصرف إلى مقصدية أحادية تتنافى مع الوجوه الجمالية الأخرى التي يمكن أن يكتشفها الناقد ، ومن ثم تلغى تداعيات اللاشعور التي لم يكن المبدع يعيها حينما أبدع النص ، حتى قال أحد النقاد علينا أن نفهم المؤلف أفضل مما فهم هو نفسه[16] ، وفي هذا الصدد يرد قول الشاعر الفرنسي الشهير ( بول فاليري  )  لأشعاري المعنى الذي تحمل عليه  [17] ، فليس ثمة حقائق في الأدب ـ كما يقول نيتشه ـ بل  هنالك تأويلات[18]يعتمد الوصول إليها على ثقافة المتلقي وبراعته  وهذا ما نادت به نظريات ما بعد البنيوية، فالتفكيكية تعتمد في الأساس على تصورات فلسفية معينة ، وعليه يمكننا القول ، إن الفكر النقدي هو فكر فلسفي لأنه يفسر الوجود المتمثل بالنص الأدبي ، ولا تُخرج الانطباعية والذاتية النقدَ عن تلك الساحة ، لأن من الطبيعي أن يصطبغ النقد بوصفه تحليلا بصبغة ذاتية حتى يكون فنا أيضا، فالقول إن النظريات النقدية ما هي إلا صدى لنظريات فلسفية فكرية صحيح، لأن ما من تجربة نقدية أو تيار نقدي إلا وصدر عن جذر فلسفي[19]  ،ولو استقرينا كل المناهج النقدية لتبين لنا أنها تميل مع الفكر الفلسفي الطاغي في وقتها ، فكلما مال بندول الفكر الفلسفي صوب المادية والتجريب والشك ، ظهرت نظريات  نقدية متساوقة مع هذا الفهم الفلسفي ، والأمر كذلك مع المثالية واليقين الفلسفي ، وبعبارة أخرى إن تجريب لوك وشك نيتشة يتكرر بالقدر نفسه في مناهج النقد الأدبي ونظرياته، ففي بداية عصر التكنولوجيا تحرك الفكر الفلسفي صوب المعرفة اليقينية المعتمدة على الحواس وعلى المنهج العلمي التجريبي ، فظهرت البنيوية في أحضان التجريب ، وبعد أن لمس الناس الدمار الذي خلفه الاستخدام السيئ لآخر حلقة من حلقات التطور التكنولوجي ممثلة بالقنبلة النووية ، آثار ذلك الدمار إحساسا بالرعب وتأكد للناس أن العلم قد أخفق في تحقيق السعادة وجلب الآمان لهم ، فتحرك الفكر صوب الذاتية ، فارتمى في أحضان الذات الأمر الذي مهد لظهور مناهج أو نظريات نقدية ـ نظريات ما بعد البنيوية ـ تعتقد أن للذات قدرة على تحقيق السعادة والمعرفة ، إلا أن هذا الارتماء في حضن الذات لم يكن شاملا كما اعتدنا ذلك في الدورات الفكرية والفلسفية التي مرت بها الإنسانية، ذلك لأن موجة الشك الجديدة كانت أكثر شمولا وعمقا ، فقد خلفت إحساسا بالخديعة من العلم والذات معا ،حتى صار الإنسان يشك بهما معا ـ  العلم والذات ـ وبقدراتهما على إسعاده[20]  .   

 


[1] التحليل السيميائي للخطاب الشعري : 15 0

[2] الرواية العربية في دائرة التأويل : فاضل ثامر : 368 0

[3] نظرية التلقي أصول وتطبيقات  : 14 .

[4] المعنى الأدبي : 17 .

[5] : المرايا المحدبة : 22 .

[6] : التفكيكية النظرية والتطبيق : 7 .

[7] الأصول المعرفية لنظرية التلقي : 21 .

[8] : المصدر  نفسه : 20 .

[9] إشكالية التلقي والتأويل : 11

[10] ـ المعنى الأدبي : 114 .

[11] تأويلية الشعر العربي : 51 .

[12] ـ وفي هذا الصدد نصحت الشاعرة نازك الملائكة الشعراء بالا يجعلوا شعرهم سهل المنال للقراء من ناحية المعنى ، بل عليهم ان يجعلوه غامضا ، : سيكولوجية الشعر : 32 .

[13] ـ تأويلية الشعر العربي : 183 .

[14] : إشكالية التلقي والتأويل : 13 .

 

[16] إشكالية التلقي والتأويل : 16 .

[17] في مناهج الدراسات الأدبية : 68 .

[18]10 ـ ضد التأويل : 66 .

[19] الوعي الشعري : 80 0

[20] المرايا المحدبة :300 0 


 

 


شعبان في خبر كان" للروائي المصري متولي بصل

" حتمية القدر في رسم شخصية بطل الرواية"

دراسة: عبد الجابر حبيب

عن دار أمارجي للنشر والطباعةـ العراق ـ 2023 تأتي الرواية في الترتيب الثالث للكاتب بعد "الربيع الذي لا يأتي" و "العجوز والبحر" بالإضافة إلى مجموعات قصصية" الديك ذو العرف الأبيض" الحب في الوقت الضائع " مأساة حصان " الرجل الذي سرق دباً" إضافة إلى دواوين بالفصحى، واللهجة المصرية" 

عنوان الرواية 

في أي نص أدبي يكون العنوان بمثابة الرأس من الجسد، وهو العتبة الأولى للنص الموازي، ويمثل الواجهة الإعلامية، وهو المهتدى به في متاهات الثقافة المتأزمة، والمنشورات المتأرجحة بين الغث والجيد، وللعنوان أهمية هنا حيث لا عتبات تتعلق بجسم الرواية المقسمة إلى ثمانية فصول بعدد148 صفحة.

دلالة المثل " فلان صار في خبر كان" ما إن يسمعه المرء حتى يضع احتمالات لهلاك الفلان، وإن آخر ورقة من شجرة حياته ساقطة بالتأكيد. هذا التقارب لم يأتِ عبثاً، وإنما وراءه مغزىً لاختياره هذا العنوان الدال على الحتمية.

ملخص الرواية

حامل شهادة المعهد الفني التجاري يحلم بأن يصبح غنياً كَابن عمه رضا مهرب البضائع  بين بورسعيد ودمياط، لكنه يفشل لأنه غير مهيأ لأسباب نفسية، وأخلاقية. بعد عثرات يقرر شعبان السفر إلى مدينة رأس البر المكتظة بالسياح، يختار السائق طريقاً قديمة، فجأة تخرج سيارة ملاكي أمام سائق الحافلة في أحد المنعطفات، ولتلافي الاصطدام ينحرف الميكروباص  ليغوص في الترعة، ولحسن حظ شعبان يكون الناجي الوحيد، يدخل في غيبوبة متقطعة بالمستشفى.

ينجح الكاتب ببراعة في إيهام القارئ بعودة شعبان سالماً إلى أهله، وكأنها عودة واقعية، ولكنها عودة وهمية من غيبوبة، يحلم فيها بما لا يخطر على البال، يتعرف في أحلامه على محافظ  دمياط الجديد المهدد بالإقالة لعدم قدرته على تسديد الأموال المخصصة لصندوق العاصمة. يكتشف شعبان صدفة مئات الملفات الخاصة بالفساد الوظيفي، والأموال الذاهبة إلى حسابات الفاسدين بدلاً عن خزينة المحافظة، وبخطة محكمة من شعبان يتم الإيقاع بهم، ويحاكمون لتعود الأموال إلى خزينة المحافظة، يتوظف شعبان بالديوان إلى جانب وظيفته الأساسية كمستشار سري للمحافظ. بتتابع الأحداث يحاول رجل التنظيم تزويج ابنته الحقوقية من شعبان لإيمانه بأن شعبان يدير أمور المحافظة، يتعرض المحافظ للاغتيال، ليعود شعبان مجرد موظف، وفي فترة العلاج الطويلة للمحافظ يصبح شعبان صاحب مشاريع ترجع وارداتها  للفقراء، ويتزوج من فتاة أخرى بعد فسخ خطوبته من ريم، وتصبح لديه ابنتان صفا، ومروة، تتعرض سيارته لحادثة غرق، يسعفه حظه في لحظاته الأخيرة، وعندما يستفيق من غيبوبته، وفي لحظة سؤاله عن زوجته وابنتيه صفا، ومروة إذ بأبيه يقول: لا تفكر تسافر أي مكان كفاية اللي جرى لك. 

ما قبل الغيبوبة الأخيرة يجد نفسه في محطة قطار مكتظة بالمسافرين، من إحدى المقطورات تناديه زوجته، وتلوح ابنتاه بيديهما مع انطلاق القطار، يصحو ليجد نفسه في بيته القديم لا في شقته الفخمة أثناء أحلامه. حوله أقاربه و جيرانه. لقد نجا من حادثة الحافلة، وماعدا ذلك كانت مجرد أحلام لاوجود لها في الواقع.

الأبعاد الاجتماعية 

تفضح الرواية بكل جرأة أساليب الطبقة البرجوازية واستحكامها باقتصاد المحافظة عبر شبكة موظفين فاسدين بأغلب الرسومات، والضرائب التي تتحول إلى حساباتهم الشخصية. بينما يمثل شعبان، والعم برقوق الطبقة المسحوقة التي لاحول لها في بحر تتلاطم أمواجه لتغرق قوارب الهاربين من واقعهم الأليم.

الأبعاد النفسية 

الحلم جميل، وكأن شعباناً فضّل العيش في اللاوعي بإغماءاته المتقطعة في العناية المركزة ليعيش حياة تمناها في الواقع، بمحاربته الفساد أثناء أحلام الغيبوبة؛ تحقيقاً للعدالة الاجتماعية. "تذكر أباه لقد أوصاه بشراء شبشب" ص6

الشخصيات الفاعلة 

الأب عامل في مقهى اللؤلؤة يخرج في التاسعة صباحاً، ويعود إلى بيته في السادسة مساءً. حلمه شبشب مريح لقدميه اللتين تؤلمانه من الوقوف 

الأم  التي لا ترى في هذه الدنيا سوى شعبان ابنها الوحيد لذلك اعترضت على سفره إلى العراق مع ابن أختها للعمل قبل حرب الخليج.

 بهاء المحافظ النزيه يجد نفسه وسط غيلان من الانتهازيين وأصحاب رؤوس الأموال. 

ريم خطيبته الأولى الحقوقية التي ترفض العمل كمحامية لأنها تخشى أن تظلم بريئاً، أو تفوز بدعوى صاحبها يكون جانياً.

اللغة 

السرد: اعتمد الكاتب في سرده للأحداث لغة سهلة عذبة  فصيحة. أتقن التعبير لجذب القارئ " أراد أن يجازف، ويسبح ضد التيار، ويخترق أمواج البشر"

الحوار: استخدام اللهجة العامية لتتسم شخصياته بالواقعية، فلكل منها سماتها اللفظية الخاصة بها، برقوق يتحدث بلهجة ابن البلد " الحمد لله ربنا طمنكوا عليه، النهارده عندي عيد"ص102بعكس ريم، فحوارها يتسم بالعمق الدال على مستواها الثقافي" غلطة واحدة تحيي إنسان، وممكن تموت إنسان، ما أقدرش أتحمل ذنب أي إنسان  ص74

الزمن يستمر بلا توقف حينما يشير الكاتب إلى القطار المنطلق  بزوجة شعبان، وابنتيه، ويبقى شعبان يواجه ازدحاماً رهيباً يمنعه من اللحاق بالقطار.

المكان  دمياط كنموذج للحياة. يعاني سكانها الفقر جراء انعدام العدالة في توزيع الموارد. 

أخيراً. رواية "شعبان في خبر كان " جديرة بالقراءة ...

*عبد الجابر حبيب كاتب، وشاعر سوري.

كتب مطبوعة
 مجموعة قصصية   نهايات مبعثرة
 هايبون  هفوات بلا أجنحة
 رواية  في دائرة الموت.. بحثاً عنهم 

أسماء لامعة في سماء المدينة/ سيرة حياة

عتبات الألم    شعر نثري
قيد الطبع

هايكو أوراق على حافة الرصيف
هايكو  صمت الرصيف

 هايكو على أنغام الجوع

مجموعة كتب إلكترونية
عصافير بلا أجنحة       صمت النهار            نهايات شاردة           ضوء        أسوار الحزن
 رسالة مشفرة          في محراب الألم          لا شيء سوى الألم      وجع الياسمين .
 

مقالات وقراءات في الهايكو والقصة

 



الواقعية في رواية شعبان في خبر كان

للكاتب متولي بصل

بقلم/ د. وائل الصعيدي

جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية . الصين

عضو اتحاد كتّاب مصر

....................................................

قالوا قديمًا:" الذي يخرج من القلب يقع في القلب"، وهذا تمامًا ما نلاحظه في أعمال الأديب متولي محمد متولي، المتنوع العطاء؛ فقد كتب في فنون الأدب المختلفة من الرواية والقصة القصيرة والشعر والدراسات النقدية.

وله العديد من الروايات مثل: الربيع الذي لا يأتي، شعبان في خبر كان، العجوز والبحر، ومن المجموعات القصصية: الديك ذو العُرف الأبيض، الحب في الوقت الضائع، الرجل الذي سرق دُبًا، مأساة حصان، وديوان شعر فصحى: مَن يهتف في الميدان، بحار بلا مَرْسى، قبل أن تًرفع الجلسة، وديوان شعر عامية: نفسي أشوف النيل بيضحك، ليه يا بلد، العمر لحظة حب، أغاني مصرية.

ومن أعماله الروائية التي بين أيدينا(شعبان في خبر كان)، تلك الرواية البسيطة الرائعة التي اختار لها الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحداث واللغة والأسلوب والخاتمة بكل دقّة وبراعة.

جاء العنوان مشوقًا يجذب القارئ بسؤال حتميّ يقفز إلى الذهن: ماذا فعل شعبان حتى يكون مصيره في خبر كان، ثم تأخذك تسلسل الأحداث بجمال الانتقال إلى النقطة التي تليها فيضفي على القارئ جو الشغف والتلهُّف لمعرفة المزيد، وماذا بعد؟.

والرواية فصل من فصول الحياة، أعملَ فيها الكاتب فِكْره ليضع حلولًا لمشكلات متجذّرة استعصت على كبار المسئولين الذين في أيديهم الحلّ والعقد.

بدأت الرواية بشاب كباقي الشباب يبحث عن عمل ليقتات منه هو ووالديه، لكن ربما عدم المكوث في عمل والصبر عليه يرجع لكونه الولد الوحيد لأبويه، ولكن في نفس الوقت كان يريد إرضاءهما.

ظهر هذا جليًا في عمل هذا الشاب في مخبز، وفي مصنع حلويات، ومهنة نجار صالونات، وأويمجي، وأسترجي حتى تمزّق جلد أصابعه وتعبت رئتاه من رائحة الجمالاكة والتنر والسيلر، كما اشتغل عتّالًا حيث:"كان يحمل أنواع الأخشاب في مؤسسة دمياط للأخشاب وسط مجموعة من الرجال ذوي العضلات المفتولة"،(صفحة 3)، كما ذهب إلى بور سعيد في أوجها عندما سمع عن المكسب الرهيب، وخاض غِمار تلك التجربة التي رأى فيها بأم عينيه التهريب على أصوله، ولكن سرعان ما غيّر رأيه، ثم فكّر في الاتجاه للعمل في رأس البر، ودعاء أمه له:"روح يا ابني قلبي وربي راضيين عنك بإذن الله ربنا ينجيك وترجع لنا سالم غانم"،(صفحة 17).

ركب شعبان (الميكروباص) متوجهًا إلى رأس البر وجلس في المقعد الأخير بعد أن نبّههم السائق أنه سيذهب من الطريق القديم، كان ينوي أن يعمل في أي شيء ومن الممكن أن يبيع لب أو ترمس، استسلم لغفوة قصيرة رأى خلالها طيورًا عملاقة تخطف جميع مَن في السيارة، وبعد أن أفاق بقليل انتبه أنّ السائق فَقَدَ السيطرة على القيادة فانحرف الميكروباص وسقط في الترعة، ولم يستطع أحد إنقاذهم لأن(المسوجر) كان مغلقًا، وبعد قليل سمع شعبان بصعوبة صوتًا يقول:"أيوه هو ده الناجي الوحيد"، وفي مستشفى دمياط التخصصي وبعد نقْله لم يُرِد شعبان أن يُخبر والديه فهو يُشفق عليهما. إنهما مُسنّان، وأكّد هذا برفضه أن يعطي العنوان لأحد، ثم غادر المستشفى عائدًا إلى البيت.

وعدَ شعبان أبويه بأن يعمل هنا ولن يذهب لأي مكان آخر، فضحك أبوه ملء فمه وقال له:" صدق اللي قال: الكتكوت الفصيح من البيضة بيصيح يا ابني انت حظك وحش زي حظّي"، ثم تناول شعبان بعض اللقيمات ونام.

        نجح الكاتب في عمل تناص تطابقي بين مشاهد المستشفى ليؤكّد على تفاوت الطبقات بين الأغنياء والفقراء، وأصحاب المناصب الكبيرة والبسيطة؛ فعندما ذهب شعبان لعمل فحوصات وخاصة من وخزة أصابته فشخّصَه طبيب الامتياز الشاب على أنه يعاني من الزائدة ويحتاج لعملية فورًا، ثم يتضح بعد ذلك أنّ تشخيصه خطأ لأنه وبكل بساطة حدّدها في الجانب الآخر.

ومشهد والد شعبان الحاج عبد العظيم عندما دخل المستشفى الحكومي-مستشفى الموت- كما كان يسميها،المعروفة بالإهمال، وحزن زوجته عليه، فقد أوشك على الهلاك من كثرة الأدوية والتشخيص الخطأ بأنه عنده جلطة في المخ، وطلب الفحوصات والأشعة المقطعية على المخ، والطلبات الكثيرة مع قِلّة الحيلة والمال معًا، وطبيعي انساب لسان عم برقوق صديق عم عبد العظيم والد شعبان بالسباب في المسئولين، وسمعوا بعض المرافقين للمرضى يقول بعفوية:" هو البني آدم مِننا له كرامة في البلد دي مالناش كرامة في بلدنا"، وآخر يقول:" فين المسئولين، وفين المحافظ ده منظر يرضي حد؟!"، (صفحة 61)، في المقابل وبعد أن أمر السيد المحافظ بهاء الدين طاهر بنقل الوالد إلى مستشفى خاص(دار الشفاء)، فتلقى فيها العناية الفائقة وتماثل للشفاء بسرعة بعد أن تابعه مجموعة من الأطباء المتخصصين الكبار وملاحظة الفرْق في المعاملة والخدمات والأدوية، وأكدوا له عدم وجود آثار لأي جلطة.

لقد عكف شعبان على الملفات والمستندات وحبسَ نفسه في البيت، تلك المستندات التي كان مصيرها (الحرْق)، والتخلص منها بعد أن كوّمها في سيارة وأخذها إلى بيته؛ ففيها معلومات سريّة وخطيرة جدًا تهم المحافظة، إنّ محافظة دمياط من أغنى المحافظات، ولكن دائما يتواجد المنتفعون الذين يضعون أيديهم على المشاريع والأراضي والأموال، فيعرفون(من أين تؤكل الكتف)، ثقل شعبان نفسه بكم معلومات رهيب.

ذهب إلى المحافظ في آخر يوم له على رأس عمله، فمنعه الحرس فصمم على مقابلته، وفجأة رآه يمشي فنادى عليه: سيادة المحافظ... سيادة المحافظ، حاول الحرس مَنْعَه فأشار لهم المحافظ أن اتركوه، أخبره أنه يريد أن يجلس معه بعض الوقت فهو يمتلك معلومات وخطة لإعادة الأموال المنهوبة للمحافظة، وبذلك يمكنه أن يبقى على رأس عمله، فاقتنع المحافظ واتصل بالوزارة ولحسن الحظ لم يكن قرار النقل رسميًا بعد، فأمهلته الوزارة بعض الوقت.

 ينتقل بنا الكاتب ويطوف من مرحلة إلى مرحلة ومن فصل إلى فصل باتصال ممتع وشيق ومتناسب مع الأحداث مع ربط اللاحق بالسابق، الآن، فوجيء شعبان بزيارة سليم سائق المحافظ الخاص والده، ثم أخذ شعبان واتجهوا إلى السيد المحافظ بالسيارة، فجلس معه وعرّفه كيفية استرجاع الأموال من اللصوص الكبار بعرض بعض المشاريع ووضع لافتات مثل: (مدينة رأس البر الجديدة، أو مدينة المستقبل)، ومن الطبيعي سيسارع ويتهافت عليها "كبار اللصوص لشراء هذه الأراضي، وسيحاول كل واحد منهم أن يحصل على أكبر حصة"، (صفحة 84).

وبهذا، أصبح شعبان مُقرّبًا من المحافظ بل جعله مستشاره الأول السّري، بعيدًا عن الأضواء، ويمسك بخيوط اللعبة في يده، وفي نفس الوقت يعمل في وظيفة عادية علنيّة متواضعة في مبنى المحافظة في قسم خدمات المواطنين.

طرح الكاتب مبادرة لإصلاح وتحسين على مستوى المحافظة تبدو واقعية وحقيقية في نظري باعتباري دمياطي مثله من خلال:

يكون دوام عمال النظافة ليلًا، وزيادة المعاشات في المحافظة، بدأت المحافظة بصرف حصص كبيرة من الأخشاب والأبلاكاش للنجارين بنظام التقسيط المريح، رفع الإشغالات من الطرقات، وتم تركيب كاميرات مراقبة، ومدّ طريق الكورنيش وتوسعته ونزيينه، وإنشاء عدد من الكباري على النيل، وإقامة مدارس ومستشفيات ومصانع، وبهذا تم ضرب بؤر الفساد.(صفحة 91).

وبعد تحسّن أحوال شعبان جعل والده يترك عمله في المقهى، واشترى له محلًا في شارع الشرباصي النابض بالحياة، كان يبيع فيه الملابس الجاهزة مع زوجته، وكانا متسامحيْن مع الزبائن؛ فقد مروا بحالة الفقر المُدقع ومن ثم يشعرون بما تعانيه الطبقة الدنيا المطحونة في كل زمان ومكان، ومن وقت لآخر يذهب إليهما بعد الفراغ من عمله، وفي يوم رجعا مبكرًا فاستغرب، فدخل البيت فوجد ضيوفًا فسلّم عليهم، وأخبراه بمشروع خطوبة لبنت آية في الجمال والأدب والثقافة، وهم يعرفوهم منذ زمن طويل.

كان شعبان يرفض فكرة الزواج مطلقًا بل نسيها لأنه وقع أيضًا فريسة التشخيص الخطأ، ولكنه وفي سريّة تامة ذهب لبعض الأساتذة الكبار في الطب وعرض عليهم الأمر، بأنه تعرّض لحادث أثناء عمله برفسة قوية أطاحت به بعيدًا من حصان أثناء تحميل الأخشاب؛ فقد كان يرفس بقائمتيْه الخلفيتيْن، وأخبره الطبيب حينها أنه لم يعد يصلح للزواج، فطلب منه الدكتور عمل بعض الفحوصات، فذهب إلى معمل البرج باسم مستعار، وتبيّن أنه سليم جدًا، ويمكنه الزواج والإنجاب.

بشّر والديه بأنه موافق على الزواج ليرضيهما، البنت (ريم)، الحاصلة على الحقوق وقد تدربت في مكتب محامي مشهور، ثم قرّرت عدم العمل بهذه المهنة نظرًا لقلب الحقائق وجعل الباطل حقًا والحق باطلًا - كما قالت-.

لم يكن هناك نصيب بالزواج بهذه البنت(ريم)، فحدث افتراق بينهما لأسباب غير معلومة ربما لعمله الظاهر المتواضع في قسم خدمة المواطنين بأجر بسيط، ساق له خبر فسخ الخطوبة عم برقوق صديق والده بكل استياء وأنه ألف بنت تتمناه.

بحث الأب والأم أيضًا على بنت الحلال فتزوج بنتًا طيبة فقيرة، وأنجب ( صفا ومروة )، وبهذا أصبح شعبان مسئولًا عن أبويه، وزوجته وأولاده وأهل زوجته الفقراء، فقد تكفّل بتكاليف الزواج كاملة بكل شهامة ورجولة شفقة بحالهم، وكان له شقة في دمياط الجديدة يذهبون إليها من وقت لآخر في الإجازات، أو يقضون الصيف في رأس البر، هذا فضلًا عن شراء سيارة وقطعة أرض في مكان متميز خلف السوسنة.

تعرّض السيد المحافظ بهاء الدين طاهر لمحاولة اغتيال فاشلة نتيجة محاربة الفاسدين ورجال الأعمال المتوحشين الذين يريدون ابتلاع كل شيء في كروشهم، سافر المحافظ في إثرها إلى ألمانيا للعلاج، وأصبح شعبان في عمله العادي في قسم خدمة المواطنين فقط، ومرّت فترة طويلة لم يعرف شعبان أخباره، جاء محافظ آخر وكما توقّع شعبان تمامًا، قام المحافظ الجديد-كعادة المسئولين- بمحو آثار الإصلاح وما فعله المحافظ السابق بهاء الدين طاهر الذي قبله، وكان جُلّ همّه جمع الأموال هو والحاشية التي حوله.

استغل شعبان معرفته بالأراضي رخيصة السعر والتي لها مستقبل، وبعض المشاريع التي كان يعرفها ويدرسها مع السيد المحافظ إبان عمله كمستشار له، واستطاع في خلال سنوات قليلة أن يكوّن ثروة كبيرة تُقدّر بالملايين: "وكان يحاول جمع كل ما يستطيع جمعه من أموال ليوزعها بعد ذلك على الفقراء في صورة إعانات شهرية؛ لذلك أنشأ جمعية للأعمال الخيرية أطلق عليها جمعية الصفا والمروة وقام بترخيصها، وكان ينفق عليها من أرباحه ومكاسبه من تجارة الأراضي والعقارات، كما أنشأ العديد من المشروعات لتشغيل بعض الفئات الذين لا يجدون عملًا"، (صفحة 127).

زار سليم شعبان وأعطاه هاتفًا نقالًا صغير الحجم، وأخبره أن يتصل منه بالمحافظ الشريف بهاء الدين طاهر فقد عاد من رحلة علاجه في ألمانيا ويريده في أمر سري ومهم جدًا، وأكّد له بنبرة حاسمة أن لا يتصل من رقم آخر، وأخبره كذلك أنّ أعداء النجاح من التجار ورجال الأعمال لفقوا له بعض التُّهم، ومن الممكن أن يُدبّروا له محاولة اغتيال، فشعر شعبان وهو يستمع إليه بغُصّة في حلقه وخاف على نفسه وعائلته:

-"عرّفني بس ملفقين لي تهم ليه يا عم سليم؟!.

-يا راجل انت بتسألني، المفروض إنك عارف.. دا انت قالب الدنيا، ووقفت حالهم في دمياط، ومش عاوزهم يلفقوا لك كام تهمة، دا الزيت والسكر انت بتبعهم بأقل من ثمنهم في التموين، دا انت خربت بيوتهم.

-أنا بس بحاول أخفف عن الناس الغلابة أعباء الحياة، والله العظيم ببيع الحاجة بتمنها مفيش أرباح ولا مكاسب، غرضي بس إن الفقرا يعيشوا".(صفحة 131، 132).

خرج شعبان من مكتبه مسرعًا متجهًا إلى عائلته في رأس البر وأطلق العنان لسيارته، وكان الطريق مزدحمًا بالسيارات، أراد أن يُخفّف من السرعة فداس على الفرامل لكن دون فائدة!، ارتطمت سيارته بالسيارات التي أمامها:"كان الراديو شغالًا، وفي هذه الأثناء بالذات سمع مذيع النشرة الإخبارية يعلن أن سيادة رئيس الجمهورية قد كلّف السيد بهاء الدين طاهر بتشكيل الحكومة الجديدة، كان يحاول السيطرة على سيارته لكنه لم يستطع، ترنّحت وانقلبا عدة مرات قبل سقوطها في مياه النيل، سمع رنين الهاتف النقال الذي أعطاه له سليم فأخرجه بسرعة قبل أن يصل الماء إليه، فتح الخط"، (134).

وعندما سمع صوت المحافظ بهاء الدين طاهر صرخ بأعلى صوته قبل أن تصل المياه لرقبته:"الحقني يا بهاء بيه أنا بغرق ... بغرق". انتقل إلى مستشفى التخصصي، وهمّ أن يسأل عن ابنتيه صفا ومروة، ولكنه فوجئ بأبيه يقول له:

-"الحمد لله على سلامتك يا ابني... الحمد لله إن ربنا نجّاك لنا، ربنا عالم بالحال، إوعى تشتال هم شغل بعد كده، ومتفكرش تسافر أي مكان كفاية اللي جرى لك يا حبيبي!.

وسمع أمه تقول بلهفة:

- رب هنا رب هناك ... رزقك هيجيلك يا ابني بس متبعدش تاني عن عنينا يا حبيبيّ.

وسمع عم برقوق يقول:

الحمد لله إن ربنا طمنكوا عليه، والله العظيم النهارده عندي عيد إنه فتح عينيه وفاق من الغيبوبة اللي كان فيها".

وعندما سأل باستنكار:"هو أنا كنت في غيبوبة"؟!.

أخبرته أمه أنه منذ شهر وهو في غيبوبة والدموع تنساب من عينيها.

ويمكن هنا تسجيل بعض النقاط منها:

-تسليط الضوء على الفئات الفقيرة، والغنيّة، والبون الشاسع بينهما وانعكاس ذلك على الخدمات المقدمة إلى كل طبقة كالمستشفيات والمدارس وغير ذلك.  

-معالجة الكاتب بكل جرأة وشفافية مشكلة الشباب وعدم توفير فرص عمل مناسبة لتخصصاتهم، وكذلك وضع البرنامج للإصلاح والحلول المناسبة، وخاصة التي تهتم بالجوانب الاقتصادية.

-كان لاختيار اسم المحافظ النزيه الشريف غاية التوفيق (بهاء الدين طاهر)، فهو يشي من خلال الاستماع إليه وتكراره بانشراح الصدر، والاطمئنان، ونظافة اليد، والجديّة في تناول المشكلات القائمة على أرض الواقع وليست بيع الوهم وكالحِبر على الورق، وصرف أموال الدولة في مشاريع لا نفع ولا طائل من ورائها إلا انتفاع الكبار ورجال الأعمال الذين لا يهمهم إلا أنفسهم.

-شجاعة شعبان وإقدامه وإصراره على مقابلة السيد المحافظ، تلفت أنظارنا لضميره الحيّ من ناحية، ومن ناحية أخرى تؤكد وطنيته ومحاولة حفاظه على مال الدولة لأنه مال الجميع، وليس كما يتردّد (مال سايب).

-استماع المحافظ لشعبان فيه فوائد كثيرة، منها، لابد من الاستماع للطبقة الكادحة، وإزالة الحواجز بين الرئيس والمرءوس، والتواضع وعدم التكبّر. 

-اجتثاث الفساد وتطهير بؤره بهدوء؛ كمشرط حكيم يُطهّر القيح والصديد؛ فهو ضارب بجذورها في قاع المجتمع.

 

 


رحلة بين الواقع والمتخيل في رواية

"شعبان في خبر كان"

للأديب اللامع متولي بصل

عبد الغفور مغوار - المغرب

المقدمة

فن الرواية الواقعية الجديدة يمثل نقلة نوعية في عالم الأدب العالمي، حيث تتجاوز هذه الروايات الحدود التقليدية وتنقلب مفاهيمها وقوالبها. تمثل هذه النوعية من الأعمال اندماجًا بين الواقع والخيال، وتعكس تفاعلًا مع العالم المعاصر من خلال استخدام تقنيات جديدة لتصوير الحياة الاجتماعية اليومية. تمتاز الرواية الواقعية بأنها تستند إلى حياة الناس ومشاكلهم اليومية، وتجسد واقعًا دقيقًا للعالم من حولها. تتميز بالوصف الدقيق والواقعي للشخصيات والأماكن، مما يعكس تفاصيل الحياة بأسلوب واقعي يجذب القارئ ويُجسِّد صورة حقيقية للعالم. يمثِّل هذا اللون من الرواية الأدبية شكلاً فنيًا معقدًا يفتح الأبواب أمام عوالم متعددة، حيث يختزن توازناً بين الخيال والواقع. وتعد رواية "شعبان في خبر كان" للأديب اللامع متولي بصل من بين تلك الأعمال الروائية التي تستحضر عوالم موازية وتغوص في غموض الوعي والحقيقة. تنطلق الرواية بقصة الشخصية الرئيسية، شعبان، الذي يجد نفسه يعيش رحلة استثنائية بين الواقع والمتخيل.

يوفر التحليل والنقد الأدبي لهذا العمل الروائي المتميز فرصة لاستكشاف أبعاده المتعددة والغوص في تفاصيله لفهم المزيد عن التقنيات وأساليب الكتابة المبتكرة التي اعتمدها الكاتب القدير.

سنسلط الضوء على عدة جوانب مهمة من خلال هذا التحليل: العنوان ورمزيته، الأزمنة والأماكن والبيئات في صياغة الأحداث بالإضافة إلى أدوار الشخصيات وتطورها في الرواية. سنولي أيضا الاهتمام بأسلوب الكتابة واستخدام اللغة والأساليب الروائية، بالإضافة إلى الرموز والرمزية المتداخلة التي تعكس الواقعية في النص.

1- ملخص رواية "شعبان في خبر كان"

يحلم شعبان وهو بطل القصة الرئيسي بالانتقال إلى بورسعيد بعد سماعه من ابن عمه رضا عن نجاحه الكبير في هذه المدينة خلال وقت قصير. يجرب شعبان رحلته إليها، ولما كان عائدا منها حاملا البضائع التي اشتراها، تعرض لمواقف محرجة وصعبة، فيقرر بعد هذه التجربة عدم العودة إلى بورسعيد والهجرة إلى رأس البر ليعمل هناك. في طريقه يشعر شعبان بالضياع والحيرة، وتُعيده ذاكرته للتفكير في الأمور التي فاتته في حياته. يتعرض لحادث سيارة مأساوي. يتم إنقاذه ليكون الناجي الوحيد. يغادر المستشفى دون إبلاغ عائلته، عند عودته للبيت يُخفي أمر الحادثة عن والديه.

بعد نوم طويل، يستيقظ شعبان ويحس بآلام في جنبه الأيسر، بالمستشفى يخبرونه بوجود شبهات التهاب في الزائدة الدودية، لكنه يغادر المستشفى دون إجراءات التطبيب. قبالة المستشفى هناك مبنى المحافظة، يجد صناديق بها ملفات مهمة معدة للإتلاف يقوم بنقلها إلى المنزل وينغمس في دراسة الوثائق لعدة أشهر. بعد مدة من الانعزال التي قضاها في دراسة تلك المستندات يقرر الخروج إلى الكورنيش.  يشاهد حشدًا كبيرًا في سوق السمك ويشاهد الفقراء والمتسولين والأطفال وما يعانون من ظروف صعبة. يضع خطة لإنقاذ المدينة من الفساد. بشكل مفاجئ ينقل والده في حالة حرجة إلى المشفى، يشاهد شعبان حالة أبيه الصحية تسوء واحتياجه للعناية الطبية تزداد، كما يصطدم بالحالة الصعبة في المستشفيات الحكومية ونقص الرعاية الصحية هناك، فيمر هو وأسرته بفترة ارتباك وحسرة.

يقابل شعبان المحافظ ويعترف له بأحوال الوضع المالي للخزينة وكل الفساد الذي تسبب في فراغها، وبعد توصلهما لاتفاق بضرورة تغيير الوضع، يطلب المحافظ في اتصال التراجع عن قرار إقالته رسميًا كما كان متوقعا ويعد بتدارك النقص الذي كان سببا في قرار إبعاده.

يتوسط المحافظ بطلب من شعبان في نقل والده المريض إلى مستشفى خاص، وبعد تحسن حالته، يظهر الفرح والارتياح لدى شعبان وعائلته.

يعرض شعبان خطته لاسترداد الأموال المنهوبة على المحافظ ويقترح وضع مصيدة للفاسدين. وهكذا يُعيّن شعبان مستشارًا للمحافظ ويستمر في تنفيذ خطته بشكل سري.

الأحداث تتجه نحو تطورات مثيرة، يُرى فيها شعبان متحمسًا لتحقيق هدفه في مكافحة الفساد، لكنه يواجه تحديات شخصية ومهنية، بعد محاولة اغتيال المحافظ، كما يتم فسخ خطوبته من طرف والد الخطيبة الذي كان يطمع في خدمات شعبان اليد اليمنى للمحافظ.

يترك شعبان الحياة السياسية ويعود إلى دمياط، يخطب ويعتني بعائلته ويبدأ بمساهمات خيرية، ولكنه يتعرض لحادث سيارة يجعله يفقد الوعي.

يواجه شعبان وضعًا صحيًا صعبًا في العناية المركزة ويستفيق بين الحين والآخر ليجد نفسه محاطًا بعائلته. عندما يستيقظ شعبان من غيبوبته، يجد نفسه في بيت والده الفقير الذي عاش فيه طفولته وشبابه. لتبيّن أن كل الأحداث التي مر بها، من مكافحة الفساد والتغييرات السياسية والشخصية، كانت هلوسات غيبوبته بعد الحادث الذي تعرض له في طريقه إلى مدينة رأس البر.

هذا الانكشاف يضيف طابعًا جديدًا للرواية، حيث يعيد شعبان إلى أصوله البسيطة والفقيرة. تكشف هذه النهاية المفاجئة عن جوانب جديدة في الرواية وتعطي القارئ فرصة لإعادة تقييم الأحداث التي حدثت وكيف تأثرت حياة شعبان بهذه التجربة الحالمة، وتتركه في حالة من التشويق لمعرفة مصير شعبان.

2- الأفكار الرئيسية في الرواية:

- مكافحة الفساد: الرواية تسلط الضوء على جهود شعبان في محاربة الفساد وتحقيق التغيير في البيئة السياسية والمالية. يتناول النص التطرق إلى الفساد وسبل مواجهته وكيفية تحقيق التغيير في النظم غير الصالحة.

- التضحية والعائلة: يظهر شعبان كشخص يتحمل المسؤولية تجاه عائلته ويفكر في مصلحتهم قبل مصلحته الشخصية. يظهر العديد من المواقف التي تبرز التضحية العائلية والالتزام الأخلاقي.

- المصير والتغيير: الرواية تبيّن كيف أن حياة الإنسان قد تتغير فجأة وبشكل غير متوقع، وكيف يجب على الفرد التعامل مع هذه التغيرات والتحديات التي تظهر في مسار حياته.

- التحديات الشخصية والمهنية: شعبان يواجه تحديات شخصية ومهنية كبيرة، بما في ذلك التوازن بين حياته الشخصية والعملية، وكيفية التعامل مع الأزمات المفاجئة والصعوبات الناشئة عن ذلك.

- الطموح والمثابرة: تعكس الرواية الأمل والإيمان بالتغيير والقدرة على تحقيق الأهداف عبر العمل الجاد والإرادة الثابتة.

- التطور الشخصي: تظهر الرواية تطور شخصية شعبان، بدء من دوره كموظف عادي إلى دور أكثر تحديًا كمحارب للفساد وصاحب تأثير إداري.

- التوازن بين القيم والمصالح: تتعامل الرواية مع الصراع بين القيم الأخلاقية والمصالح الشخصية أو المؤسسية، وكيف يجب على الفرد اتخاذ القرارات في مواجهة هذا التناقض.

- الصراع بين الخير والشر.

- أهمية العدل والنزاهة في المجتمع.

- إمكانية التغيير والإصلاح في المجتمعات العربية.

فكرة رواية "شعبان في خبر كان" تدور حول الشاب شعبان، الذي يتعرض لحادث سيارة مروع يُجبره على دخول حالة غيبوبة. تستكشف الرواية عوالم الوعي والوهم والتفاعل بين الحقيقة والخيال خلال رحلة شعبان في حالة غيبوبة.

3- المواضيع الرئيسية لرواية:

- الوعي والوهم: تُظهر الرواية الفارق بين الحقيقة والعلم، وتستكشف الوعي والوهم كمفاهيم يتداخلان

أثناء الغيبوبة التي يعيشها شعبان. تركز على تجاربه وتفاعلاته مع العالم الخارجي، وكيف يتعامل مع هذه التجارب بين الواقع والخيال.

- الحدود بين الوعي واللاوعي: تسلط الرواية الضوء على الحدود بين الوعي واللاوعي، وتبحث في تأثير حالة الغيبوبة على وعي شعبان ومدى استجابته للعالم الخارجي، مما يثير أسئلة حول الطبيعة الحقيقية للوعي ومدى قدرته على التفاعل مع الظروف المحيطة.

- العواطف والعلاقات الإنسانية: تتناول الرواية التأثير العاطفي لحالة شعبان الصحية على عائلته وأصدقائه، وكيف تتشكل وتتأثر العلاقات الإنسانية في مواجهة الأزمات الصحية والضغوطات النفسية.

- الواقع والهوية الشخصية: تتساءل الرواية عن الهوية الشخصية وتعريف الذات، وكيف يمكن لحالة الغيبوبة أن تؤثر على تشكيل الهوية الشخصية والتفاعل مع الواقع المحيط.

4- العنوان ورمزيته:

العنوان هو البوابة التي يدخل من خلالها القارئ إلى النص الروائي، وهو أول ما يلفت انتباهه ويشكل انطباعه الأول عن العمل.

وكما يقول كل من الناقد الفرنسي رولان بارت: "العنوان هو المفتاح الذي يفتح الباب إلى النص الروائي." 

عند التحليل السطحي للعنوان، يظهر لنا الاسم "شعبان" كشخصية رئيسية ومحورية في الرواية، فنعتقد بوجود احتمالية بأن يكون هذا الشخص البطل الذي يعيش تجربة مميزة وتدور حوله أحداث الرواية أو يكون شاهدًا على حدث هام. 

"في خبر كان" : هنا، "في خبر كان" هو تعبير يشير إلى أن قصة شعبان التي ستتطرق لها الرواية قد كانت جزء من حدثٍ أو خبر ما في الماضي. هذا التعبير يضفي طابعًا من القدم والتقليدية على القصة، مُشيرًا إلى أن أحداثها ربما كانت مقتطفا من أسطورة أو قصة شعبية. الكلمة "خبر" تشير إلى وقوع حدث ما، ربما حادثة أو تطور مهم في حياة "شعبان" يؤثر في مسار حياته.

العنوان يبدو أنه يحمل أبعادًا رمزية، فقد يشير إلى واقع ماضي أو قصة شهيرة قد تكون لها علاقة بالمحكي. تلك الرمزية قد تكون مرتبطة بفكرة تحقيق الآمال والطموحات والأحلام للشخصية الرئيسية "شعبان" في إطار القصة أو عدمها.

العنوان يمكن أن يجعلنا نرتبط النص بالروايات الشعبية التي كانت تُحكى في الماضي والتي تحمل في طياتها القيم والحكم والعبر.

باختصار، يُظهر العنوان "شعبان في خبر كان" مزيجًا من الأبعاد الاجتماعية والثقافية والروحية، مما يُشير إلى أن القصة قد تحتوي على رسالة أو عبرة تقدمها للقراء من خلال حياة وتجارب شخصية "شعبان. "

فيما يتعلق بالرمزية، يُعتَقَد أن العنوان قد يشير إلى فكرة تفاعلية بين الشخصية الرئيسية وحدث مهم أو خبر قد يؤثر على مسار حياته. العنوان قد يكون أيضًا إشارة إلى أهمية الإعلام أو الشائعات في الحياة اليومية، وكيف يمكن أن يؤثر الخبر على حياة الأفراد.

5- الأزمنة والأمكنة والسميولوجيا السردية:

الأزمنة والأمكنة هي من أهم العناصر التي تساهم في بناء النص الروائي. فهي تؤثر على الأحداث والشخصيات والأفكار التي يطرحها النص.

إن الأزمنة والأمكنة في رواية "شعبان في خبر كان" ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي عناصر ذات دلالات رمزية تتجاوز معناها السطحي. في هذه الرواية، يتم استخدام الزمن والمكان بشكل متقن لبناء السرد وتطوير الأحداث ورسم صورة أوضح للشخصيات والمواقف.

+ الأزمنة:

الحاضر والماضي: يتم التبديل بين الأحداث التي تجري في الحاضر والتي تحكي قصة "شعبان" وبين الماضي الذي يكشف عن أحداث حياته السابقة. هذا الاستخدام المتقن للرجوع للماضي يساهم في فهم عمق شخصية شعبان والتأثيرات التي تركتها تجاربه السابقة على حياته الحالية.

+ الأماكن:

هي محطات متعددة، حيث تتنقل الرواية بين عدة أماكن مختلفة، مما يعكس التنوع الجغرافي والاجتماعي للشخصيات والأحداث. تظهر أماكن مختلفة مثل المنزل، المستشفى، الأسواق، محطات القطار، وغيرها، وتلعب دورًا في تطور الأحداث وتأثيرها على الشخصيات.

+ السميولوجيا السردية:

- تأثير الزمان والمكان على الحكاية:

يُظهر التبديل بين الأزمنة والأماكن كيف يؤثر الزمان والمكان على الحكاية وتطورها. ترتبط الأحداث والشخصيات بتجاربهم في الأماكن المختلفة والأزمنة المتباينة، ويتبين تأثير ذلك على نضوج الشخصيات وتطورها.

- التناوب بين الحاضر والماضي:

يعكس ذلك التناوب السردي بين الحاضر والماضي طريقة السرد والتشويق. يتيح للقارئ فهم التفاصيل التي تبرز أحداث الماضي وتأثيرها على الوضع الحالي.

- التباين بين الأماكن:

تُبرز الأماكن المتنوعة التباين في البيئات والظروف وكيف تؤثر هذه الاختلافات على الشخصيات ومسار الأحداث.

استخدام الأزمنة والأماكن في الرواية يُظهر عمق السرد وتعقيد الشخصيات، ويسهم في بناء الحبكة السردية ونقل القارئ بين عوالم متعددة تكشف عن جوانب مختلفة من حياة الشخصيات وتجاربهم.

6- الشخصيات ورمزيتها:

الشخصيات هي من العناصر الأساسية في الرواية. فهي التي تدفع الأحداث وتتفاعل مع بعضها البعض وتكشف عن الأفكار التي يطرحها النص. تحليلها أمر أساسي لفهم النص وتفسيره، لأن "الشخصية هي جوهر الرواية" حسب تعبير رولان بارت.

في رواية "شعبان في خبر كان"، تتميز الشخصيات بتعدد الأبعاد والتفاعلات التي تظهر فيها، مما يعزز من عمق الرواية ويعكس رمزيتها في سياق القصة. تُقدم الشخصيات أبعاداً نفسية واجتماعية معقدة تساهم في تطور الحبكة وفهم القارئ للرسائل والمغزى الكامن خلف سير الأحداث.

الرواية تقدم مجموعة متنوعة من الشخصيات التي تتنوع في أدوارها وخصائصها، ومن بين هذه الشخصيات:

+ الشخصيات الرئيسية:

- شعبان: يُعتبر شعبان الشخصية المحورية في الرواية، ويظهر كرمز للإنسان العادي الذي يواجه التحديات ويواجه الصعوبات في حياته اليومية. يُجسد شعبان الطموح والمثابرة رغم تجاربه الصعبة. يمثل الشخصية البسيطة التي تعبر عن الطموح والصمود، ونموذج للإنسان العادي الذي يستطيع التغلب على العقبات ومواجهة الحياة بإيجابية. يتطور فيصبح مستشارا للمحافظ. يتميز بتحمله للمسؤولية نحو عائلته والمجتمع، ويتبنى دورًا قياديًا يهدف إلى تغيير الأوضاع. تتجلى تحولات شخصيته وصراعاته الداخلية في مسعاه لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة.

- المحافظ: يُمثّل السلطة والنفوذ، ويجسّد التناقضات الداخلية بين السلطة والفساد المحيط بها. تظهر شخصيته كنموذج للقادة الذين يحتاجون إلى تحمل المسؤولية والتغيير.

+ الشخصيات الثانوية:

تُعزز الشخصيات الثانوية مثل والدي شعبان والعم برقوق صديق والده ومحيطه الاجتماعي فهمًا أعمق لحياته وتجاربه. تعكس هذه الشخصيات تأثيرات البيئة والثقافة والعلاقات الاجتماعية على تطور شخصية شعبان.

+ عبد العظيم: يُصوّر كشخصية داعمة ووفية لابنه شعبان. يمثّل الدعم العائلي والوفاء المتبادل بين أفراد الأسرة.

+ أم شعبان: تُمثّل الأم الحنونة والقوية التي تكون داعمة لـشعبان وتتحمل المسؤولية نحو عائلتها. تُظهر روح التضحية والقيم التقليدية في العائلة.

+ سليم السائق الخاص: يُمثّل العلاقات الاجتماعية بين الطبقات المختلفة في المجتمع ويوضح الولاء والاحترام للسلطة والنخبة.

+ الأطباء والممرضون: شخصيات تُمثّل الرعاية والمسؤولية الاجتماعية، وتُدعم شعبان وعائلته.

تعكس الشخصيات في الرواية مجموعة متنوعة من الصفات والأدوار، وتساهم كل منها في تطوير الحبكة السردية وتقديم الرسائل والموضوعات المتنوعة التي تتناولها الرواية.

- الرمزية في الشخصيات:

 تمثل الشخصيات رموزًا لنماذج مختلفة من المجتمع، وكيف يتأثر الفرد بالظروف والعلاقات الاجتماعية. تظهر التغيرات والتطورات التي تعاني منها الشخصيات في سياق الظروف المحيطة بها.

+ الشخصية العادية كرمز:

يُعتبر شعبان الشخصية العادية التي تمثل الشخص العادي الذي يواجه التحديات في حياته اليومية. يمثل رمزًا للصمود والتحدي رغم الصعوبات.

تتجلى الرمزية في الشخصيات من خلال تطورها وتعقيداتها النفسية والاجتماعية، وكيف تعكس مختلف جوانب الإنسانية والتجارب الحياتية المتنوعة التي يمكن أن يواجهها الأفراد في مجتمعاتنا.

+ الصفات الجسدية: يُصوّر شعبان في الرواية كرجل متوسط القامة، بنية جسدية عادية، لكنه يظهر بحالة صحية ضعيفة بسبب الظروف القاسية التي مر بها.

+ الصفات النفسية: يتميز شعبان بالإصرار والصمود رغم الصعاب. يمتلك إرادة قوية وطموحاً كبيراً لتحسين حياته وحياة عائلته. يظهر كشخص طيب القلب وصادق النية، يعبر عن تفاؤله وأمله في تحقيق النجاح والاستقرار.

+ أهداف ورغبات الشخصية:

يسعى شعبان لتحقيق الرفاهية والاستقرار لعائلته. كما يرغب في تحسين ظروفه المعيشية وتوفير حياة أفضل لأسرته ويتطلع للعيش بسلام وهدوء دون تعرض للمشاكل المالية والاجتماعية.

+ علاقات هذه الشخصية مع الآخرين:

 يحافظ شعبان على علاقاته العائلية بمودة واحترام، ويقدر دور الأسرة في حياته. يمتلك علاقات طيبة مع جيرانه وبعض أفراد المجتمع، مما يظهر تقديره واحترامه للعلاقات الاجتماعية.

+ تطور الشخصية خلال الأحداث:

يتغير شعبان تدريجياً خلال تقدم الأحداث، من شخص يواجه الصعاب بقوة ليصبح شخصية أكثر نضجاً وثقة بالنفس. يتطور من شخصية مكبّلة بالظروف إلى شخصية تحاول بناء حياتها رغم الصعوبات التي تواجهها مما يجعلها شخصية مميزة في سياق القصة ويعكس نضوجها النفسي والشخصي.

+ الشخصيات الأخرى البارزة:

- شخصية الزوجة:

تُعرض الزوجة كشخصية قوية ومساندة زوجها أبي شعبان. تُظهر محبتها العميقة لعائلتها وحرصها على مساعدة زوجها في مواجهة الصعوبات. تمتلك حساً عميقاً بالمسؤولية وتقدير كبير للأسرة.

- شخصية العم برقوق:

العم يمثل شخصية ذات تأثير كبير ويعكس الحكمة والتجربة الغنية بالمعرفة.

- شخصية الجيران:

- تظهر العلاقات الاجتماعية الطيبة مع الجيران في الرواية، وكيف أن المساعدة المتبادلة والتكافل تلعب دورًا في الدعم المتبادل بين الأفراد في الحي.

- شخصية الأطباء والممرضات:

تظهر هذه الشخصيات كجزء من البنية الاجتماعية والطبية التي تساهم في علاج شعبان وتوجيهه إلى العلاج اللازم.

تتنوع الشخصيات في الرواية وتعكس تفاعلات اجتماعية متعددة ومحورية في تشكيل مجرى الأحداث وتأثيرها على الشخصية الرئيسية وسير الأحداث بشكل عام.

7- تطور الأحداث وتصاعدها:

تطور الأحداث وتصاعدها هو أحد أهم عناصر البناء الفني لرواية "شعبان في خبر كان". فهو يساهم في خلق الإثارة والتشويق لدى القارئ.

تطور الأحداث في الرواية "شعبان في خبر كان" يتميز بالتعقيد والتنوع، حيث يُبنى النص على سلسلة من المفاجآت والتطورات التي تشكل محوراً رئيسياً للحبكة القصصية. هناك تصاعد ملحوظ في الأحداث والتوتر يصاحب تطورها على مر زمن الرواية، ومن الجدير بالذكر بعض النقاط البارزة:

+ مقدمة مفاجئة:

تبدأ القصة بشخصية "شعبان" الذي يعيش حياة متواضعة ويحلم بتحقيق أهدافه وتحسين وضعه. تصبح مقدمة النص مفاجئة حيث يستيقظ شعبان في وضع صحي غير متوقع وغامض بعدما تعرض للحادث وهو في طريقه لمدينة رأس البر، وهذا يضفي توترًا على القصة من البداية.

+ التطورات الغامضة:

ينقلب كل شيء عندما يعرض عليه منصب مستشار للمحافظ، وهذا التحول يتسبب في تصاعد التوتر والضغوطات الجديدة على شعبان الذي يواجه تحديات جديدة ومعقدة، بما في ذلك التآمرات والصراعات السياسية والشخصية. يظهر التعقيد في تطور الأحداث من خلال وجود شخصيات غامضة مثل أسرة الخطيبة ريم وأحداث غير مفهومة في البداية، مما يشجع على استكشاف أعمق للأحداث.

+ التكشف التدريجي:

يتقدم النص بالتدريج في الكشف عن معلومات وأحداث جديدة تساهم في فهم السياق وتشكل الحبكة الدرامية. فيظهر توتر داخلي لدى شعبان، حيث يتعرض لحالة من عدم الاستقرار العاطفي والنفسي.

تتطور شخصية شعبان ويتغير تفكيره ومواقفه مع تقدمه في مسيرته المهنية والتعامل مع المشاكل والتحديات.

+ زيادة التشويق:

يتصاعد التشويق والتوتر مع تقدم الرواية، حيث يزداد الفضول حول مصير الشخصيات مثل مرض الوالد مرتين بسبب إجهاد في العمل وبسبب الصدمة إثر فسخ خطوبة ابنه من طرف والد الخطيبة. التشويق حاضر في معرفة شعبان بسؤال المحافظ عنه وتعرض شعبان للحادثة المرورية الأخيرة.

+ الذروة والنهاية:

يصل التصاعد إلى ذروته مع توجه الأحداث نحو النقطة الأكثر توترًا وتشويقًا، حيث يبلغ النص ذروته وينتهي بنهاية ملحمية تكشف الكثير من الأسرار وتلقي الضوء على العديد من الجوانب الغامضة.         المفاجأة كبيرة، حيث يكتشف "شعبان" أن كل ما حدث كان حُلمًا ولم يكن حقيقة.

يتميز تطور الأحداث في الرواية بالتشويق والغموض والتعقيد، وهذا يخلق توترًا مستمرًا ويحافظ على اهتمام القارئ طوال مسار الرواية.

في رواية "شعبان في خبر كان"، تكمن العقدة الرئيسية في الوضع الغامض الذي تجد نفسها فيه الشخصية الرئيسية فور استيقاظه من غيبوبة مطولة. يجد نفسه محاصرًا في مشفى بين حياته الحقيقية وعوالم متوازية. تتركز الحبكة حول الغموض المحيط به وحول حالته الصحية غير المفهومة والتي تُظهر تقدماً وتغيرات مفاجئة.

الحل أو الكشف النهائي يتمثل في اكتشاف أسباب وظروف هذا الوضع الغامض الذي يمر به شعبان.

الكشف النهائي يكون في نهاية الرواية، حيث يكتشف شعبان حقيقة وضعه وماضيه، ويتضح سبب وجوده في هذا المكان وكيفية عودته إلى حياته الطبيعية. يُحل الغموض ويُلقى الضوء على الجوانب المظلمة التي أحاطت بهذه التجربة الغريبة.

تتنوع الأحداث وتتغير العلاقات والمشاعر في الرواية، مما يلقي الضوء على الجوانب العاطفية والنفسية لشخصية "شعبان" وتحولاتها خلال رحلته - الحالمة - المثيرة والمليئة بالتحديات والتغيرات.

8- اللغة أو الأسلوب:

الرواية التي بين أيدينا تعتمد على لغة سهلة الفهم واقتصادية في السرد، مما يسهّل على القارئ فهم الأحداث والشخصيات. تتسم اللغة بالوضوح والعمق، حيث تعزز التفاصيل الواقعية للمشاهد والحوارات الداخلية مع تقديم تصوير دقيق للشخصيات ومشاعرهم. كما تتضح جمالية اللغة في وصف الأماكن والأحداث بطريقة تجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش الأحداث مباشرةً. يتميز الأسلوب واللغة في هاته الرواية بالتعبير الواقعي والجذاب الذي يعكس عالم الشخصية الرئيسية وتجربتها الغريبة. يتمتع الكاتب بقدرة مهارية على وصف التفاصيل وإيجاد التوترات النفسية التي تحيط بشعبان، مما يجعل القارئ يشعر بالاندماج العميق في الأحداث وينغمس في العوالم المتوازية التي تعيشها الشخصية الرئيسية.

يظهر الأسلوب في الرواية بتنوع وتعدد، يتراوح بين الوصف الدقيق والشديد والوصف العميق للحالات النفسية والتفاصيل المحيطة. يتيح الأسلوب اللامتناهي للكاتب إظهار التوتر والغموض بشكل مثير والتركيز على اللحظات الحاسمة والصعوبات التي تواجهها الشخصيات.

في رواية "شعبان في خبر كان"، الأسلوب واللغة يساهمان في إضفاء الجاذبية على الرواية، حيث يتم استخدامهما بمهارة لخلق جو من التشويق والتوتر مما يوفر فرصة الاستمتاع بالقراءة. تُعزز هذه العناصر تجربة القارئ وتساهم في تعميق فهمه للأحداث والشخصيات وتحثه على الاستمرار في القراءة

يتميز النص أيضا بوجود حوارات مميزة وواقعية - وإن كانت بالعامية المحلية - تُعبّر عن شخصيات الرواية وتكشف عن عمقها وأفكارها وعواطفها.

أظهر الكاتب مرونة في استخدام أساليب متنوعة في السرد، من التركيز على الوصف الجمالي إلى استخدام الفصول القصيرة والتركيز على الحوارات والمفردات المناسبة والوصف الدقيق الذي يعكس الجو العام للموقف.

تقنيات السرد والإيقاع تشكل جزء أساسياً في بناء الرواية وتوجيه مسار الأحداث لجذب انتباه القارئ وإثارة فضوله. وهذه بعض التقنيات المهمة:

+ إيقاع السرد: الإيقاع يتعلق بسرعة أو بطء تقديم الأحداث. يتم تبديل إيقاع السرد بما يتلاءم مع المشاهد والتطورات في القصة. مرة يكون السرد سريعًا في اللحظات الحاسمة أو الأكثر إثارة للتوتر، ومرة يكون بطيئًا للتركيز على التفاصيل أو الوصفات المهمة.

+ التقديم والكشف التدريجي: اعتمد الكاتب على تقديم الأحداث والمعلومات بشكل تدريجي للحفاظ على توتر القصة وتشويق القارئ. اُستخدم هذا الأسلوب لإثارة الفضول والاستمرارية في قراءة الرواية.

إيجاد التوتر النفسي: تم التركيز على حالات الشخصيات وتفاصيل تفكيرها ومشاعرها بطريقة تبرز التوترات النفسية وتجاذباتها مما يثير استنفاد القارئ للتفاصيل الدقيقة.

الاستخدام الرمزي والمجازي: اعتمد الكاتب على الرموز والمجازات لتعزيز الرمزية في الرواية، مما يعطي عمقًا وتعقيدًا إضافيًا للقصة وشخصياتها.

بالاستعانة بتقنيات السرد المبتكرة والوصف الدقيق، بنى الأديب متولي عالمًا أدبيًا مميزًا ينقل القارئ إلى عوالم متوازية تثير الفضول والاهتمام في مسار الأحداث ومصير الشخصيات.

في رواية "شعبان في خبر كان"، تميزت اللغة بمجموعة من الصور الفنية والأصوات اللغوية التي أضافت عمقًا وجاذبية للرواية:

+ الصور الفنية:

- الاستعارات: استخدام الرموز والاستعارات لوصف الأحداث والشخصيات، مما يزيد من تفاعل القارئ مع النص. على سبيل المثال، استعارة الحالة الصحية لشعبان لتوصيل رسالة عن الحالة الاجتماعية أو السياسية.

- التشبيهات: استخدام التشبيهات لتوضيح وصف الأماكن والمشاهد، مما يساعد على تجسيد المشاهد في ذهن القارئ. على سبيل المثال: " الناقلات والسفن الضخمة التي تبدو من بعيد صغيرة جدا وكأنها لعب!"

- الكنايات: استخدام الكنايات لتعزيز المعاني وإيصال الرسائل بطريقة مجازية. على سبيل المثال: استخدام عبارات مثل "يحمل على كتفيه أعباء الحياة" لتوصيل أفكار عن الضغوطات والمسؤوليات.

+ الوصف والرمزية:

تتميز الرواية بوصف مفصل للمشاهد والأماكن، يخلق هذا الوصف أجواءً ملموسة تجعل القارئ يتخيل البيئة بسهولة.

باستخدام هذه العناصر، يُظهر الكاتب خبرة في السرد والتعبير عن الأفكار العميقة. تمثل الرواية مساحة للقارئ للاستمتاع برحلة مليئة بالتفاصيل المعبرة والأفكار المعقدة.

9- الرمزية السيميائية:

تهدف السيميائيات إلى البحث في عالم المعنى وطريقة تشكله، فهي تتخذ المعنى موضوعا للتحليل كاشفة في الوقت نفسه عن القوانين والقواعد التي تتحكم في توليد الدلالة، ومما تركز عليه القـــراءة الســـيميائية البحـــث عـــن القانـــون الـــذي يتحكـــم فـــي تجميـــع الأجزاء المكونـــة للنـــص حتى يتشـــكل المعنى، ووفق هذا التحديد فالنصـــوص السردية ما هي إلا تمظهرات للمعاني.

الرمزية السيميائية في رواية "شعبان في خبر كان" تكمن في استخدام الرموز والعناصر السردية لتعبر عن معاني ومفاهيم عميقة تتعلق بالواقع والمتخيل. الرواية تمتاز بتجسيد الواقع بطريقة متقنة وفنية، إلا أنها تعتمد أيضًا على العناصر المتخيلة والمجازية للتعبير عن مفاهيم أعمق.

من الرموز السيميائية المهمة في الرواية:

- الواقع والخيال: تتحدث الرواية عن حياة شعبان وكيف يواجه الواقع الصعب بشكل مثير، وفي نفس الوقت تظهر لنا رؤى متخيلة ومشاهد من الخيال تعكس الأوهام والأحلام التي قد تكون جزء من حياته.

- الأحلام والطموحات: تُعتبر أحلام شعبان وطموحاته واقعًا رئيسيًا في الرواية، تمثل الأمل والتطلع نحو الحياة الأفضل، وتعتبر رمزًا للصمود والتفاؤل في مواجهة الصعوبات.

- الصراع الاجتماعي: ترمز الشخصيات والأحداث في الرواية إلى صراعات اجتماعية وثقافية تُمثل واقعًا معيشًا صعبًا، وتكون بمثابة رموز للتمييز الاجتماعي والصراع بين الطبقات.

- العوالم المتناقضة: تعكس الرواية العديد من العوالم المتناقضة، مثل الواقع والمتخيل، والأمل واليأس، والقوة والضعف، وتستخدم هذه العوالم لرسم صورة عن التناقضات في الحياة وتأثيرها على الشخصيات.

- الرموز الحضرية والريفية: تُعبر المناظر الحضرية والريفية في الرواية عن تناقضات المجتمع وتعقيداته، حيث تمثل الحضر الحياة الحديثة والتحديات المعاصرة، بينما ترمز المناطق الريفية إلى البساطة والحياة الهادئة.

من العناصر الرمزية في رواية "شعبان في خبر كان" ودلالاتها:

- المدينة والريف: تمثل المدينة الحياة الحضرية المليئة بالضغوطات والتحديات والصراعات الاجتماعية، بينما تعكس المناطق الريفية الهدوء والبساطة والتقاليد القديمة.

- الحلم والواقع: تُعبر الأحلام التي يحملها شعبان وتطلعاته عن الأمل والتفاؤل في مواجهة الصعوبات، بينما تُمثل الواقعية الصعاب والتحديات التي يواجهها في سعيه نحو تحقيق أحلامه.

- الشخصيات الثانوية: تُمثل الشخصيات الثانوية والعلاقات بينها رموزًا للتناقضات الاجتماعية والشخصية، وتكشف عن الفروق الطبقية والصراعات الداخلية.

- الأحداث السردية: ترمز الأحداث المتتالية في الرواية إلى تطور الشخصيات ومواجهتها للصعوبات، وتعكس الصراعات الداخلية التي تؤثر على تطور القصة.

تتشابك هذه الرموز معًا لرسم صورة شاملة عن التناقضات والتحديات التي تواجه الفرد في الحياة اليومية، وكيف يتعامل معها ويتطور من خلال مواجهته لها. تتداخل العناصر الرمزية في الرواية لتكوِّن شبكة دلالية تعكس تعقيد الحياة وتنوعها وتأثيرها على سير الأحداث وتطور الشخصيات.

في رواية "شعبان في خبر كان"، تبرز الرموز والدلالات السيميائية التي تُعزز الرسالة الفلسفية للعمل وتعمل على تعميق فهم الأحداث والشخصيات.

 - المنزل/المسكن:

يمثل المنزل رمزًا للهوية والانتماء، حيث تُظهر الرواية تغيرات مفاجئة في مكان وجود شعبان من القصور والثراء إلى المنزل البسيط والفقير. يعكس المنزل التواضع والقيم الأسرية والروحانية، مما يُظهر التباين في التحولات الحياتية والثقافية.

 - الحلم والواقع:

يُمثل الحلم رمزًا للتطلعات والطموحات، حيث يسعى شعبان لتحقيق طموحاته وأحلامه في العمل والحياة الشخصية. أما الواقع فيُمثل التحديات والمواقف التي تعرضت لها الشخصيات، وكيفية التعامل مع التحديات والتغيرات في الحياة اليومية.

- الموت والحياة:

يتم تمثيل الموت بوصف حادث السيارة والفقدان للوعي، وهو رمز للتحول الكبير في حياة شخصية شعبان ومواجهته للصعوبات والمخاطر. والحياة تظهر في عودة شعبان إلى وعيه، وتمثل الفرصة للتغيير والتطور الشخصي.

- العائلة والعلاقات الشخصية:

العائلة تُعتبر رمزًا للدعم والاتصال العاطفي، حيث يُظهر تأثير دعم الأسرة على شعبان خلال الأحداث الصعبة. العلاقات الشخصية تمثل الروابط البشرية وتأثيرها على التطور والنمو الشخصي في الرواية.

- الثقة بالنفس والتحول الشخصي:

يُمثل شعبان رمزًا للتحول الشخصي، حيث يعكس التطور من حالة الارتباك والشك إلى استعادة الثقة بالنفس والتفاؤل. الثقة بالنفس تُمثل مفتاحًا لتحقيق النجاح والتغيير الإيجابي في الحياة.

هذه الرموز تعزز البعد الفلسفي للرواية وتسهم في تعميق الفهم لقضايا الهوية، التحولات الشخصية، وتأثير الظروف والعلاقات البينية على حياة الفرد.

10- "شعبان في خبر كان " وأعمال أدبية عالمية:

رواية "شعبان في خبر كان" تتناول عدة عناصر تشبه في بعض الجوانب أعمال كتاب مشهورين مثل نجيب محفوظ في ثلاثيته.

أوجه التشابه يكمن في التركيز على حياة الشوارع والمدينة، فكلا الكتابين يعكسان حياة الشوارع وأجواء المدينة بشكل واقعي ومفصل. كما يميز أسلوب نجيب محفوظ في تشكيل الحدث والشخصيات واستخدام الرموز والتشبيهات، فإن "شعبان في خبر كان" تتضمن عناصر رمزية تُبرز التضارب بين الواقع والحلم كما عند نجيب محفوظ وغيرهم من الكتاب العرب وغيرهم.

يُظهر كل من نجيب محفوظ في ثلاثيته ومؤلف "شعبان في خبر كان" خبرة في تصوير الشخصيات وتعقيداتها. يتميزان برسم شخصيات ذات عمق نفسي وتنوع شخصي، حيث تتطور هذه الشخصيات مع تقدم القصة ويصبح لديها تأثيرات متبادلة مع الأحداث.

يركز كل من الكاتبين على المجتمع والتناقضات داخله، سواء كانت الطبقات الاجتماعية أو العلاقات بين الفئات المختلفة والتي تؤثر على الشخصيات وتشكل حياتهم.

الخاتمة

شعبان في خبر كان" يستحق الانتباه والتحليل العميق بسبب تعدد الجوانب التي يتضمنها. يتميز بالعديد من العناصر المتنوعة التي تثري الرواية وتجعلها تستحق القراءة المتعددة والتحليل الفاحص. الرواية تتميز بشخصيات متنوعة وغنية بالعواطف والأهداف، مع انعكاساتها على الحياة اليومية والمشاكل الاجتماعية. كما تُبرز الرواية أسلوباً سردياً يجمع بين الواقعية والخيال، حيث تتداخل المشاهد والأحداث الواقعية مع العناصر السردية المتميزة.

الأسلوب السردي يعتمد على الوصف الدقيق والتشويق، مع تنوع في التقنيات السردية والاستخدام السلس للغة. الرواية تحمل رمزية سيميائية تعبر عن الواقع والمتخيل، حيث تستخدم الصور الفنية والأصوات اللغوية لتعزيز الرموز والدلالات.

بعد استكشافنا لرواية "شعبان في خبر كان" والتي تأتي من كتابها المؤلف المصري متولي بصل، ندرك أن هذا العمل الأدبي يبرز بشكل رائع موهبة الكاتب في سرد قصة تحمل الكثير من العمق والتعقيد. يظهر متولي بصل مهارات فنية في التصوير الواقعي ورسم الصور البصرية التي تجذب القارئ وتثير فضوله.

تبرز الرواية بشكل خاص بفضل تقنيات السرد المتنوعة والمثيرة التي يستخدمها الكاتب لخلق جو من التشويق والغموض، مما يجعلها تشبه بعض الأعمال الأدبية المعروفة التي نجدها في الأدب العالمي. يعزز الأديب متولي هذا العمل بوجود عناصر رمزية متنوعة ورسائل عميقة تتعلق بالإنسان وتجربته في الحياة.

 

 


أدب الديستوبيا / رواية شعبان في خبر كان

للكاتب المصري متولي بصل نموذجا

شكل أدب الديستوبيا / أو أدب المدينة الفاسدة /  الوجه الثاني لأدب اليوتوبيا / أو المدينة الفاضلة  . توماس مور أصدر في العام 1515 رواية أسماها يوتوبيا . ويعتمد هذا النمط الفني من الكتابة على الحلم بمجتمع يتمتع بأسباب الرفاهية, وانتفاء مظاهر الحيف والظلم وسيادة العدالة المطلقة.يعود المصطلح لأفلاطون الفيلسوف اليوناني بكتابه المدينة الفاضلة في العام 380 ق م والمشهور بجمهورية إفلاطون. يقف على النقيض من كل هذا مجتمع فاسد يسوده الاستغلال و الفقر وتتسلط فيه فئة حاكمة تتلاعب بمقدرات البلد .الديستوبيا  أو المدينة الفاسدة : مجتمع بلا قيم أو مبادئ. وقد يكون هذا متخيلا أو حقيقيا  موجود على ارض الواقع , بحكم سيطرة حكومات شمولية .

رواية 1984 التي كتبها جورج أوريل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية  في العام 1948 نموذجا أكثر أهمية لأدب الديستوبياكونها عبرت عن واقع حقيقي سادت فيه أنظمة شمولية بمسميات مثيرة للعواطف . وتعد رواية فهرنهايت 451 للروائي الأمريكي راي برادبري  والتي نشرت في 1953 ( تحكي قصة نظام يقوم بغزو العالم, ويجعل التلفزيون دعاية سياسية له ويقوم بحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايتي ) 1تعبيرا بالغ الأهمية للتنديد بالقمع واضطهاد المعارضين السياسيين والمثقفين وتوجيه الاتهام لهم  بالتآمر والخيانة دون دليل والذي ساد زمن المكارثية في الولايات المتحدة .( كل هذه العوامل ساعدت بشكل أو بآخر في بناء عالم الديستوبيا الأدبي في الواقع المعيش )2.

في رواية شعبان في خبر كان / للروائي المصري متولي محمد متولي / منشورات دار أمارجي للطباعة والنشر والتي تتألف من 145 صفحة وثمانية فصول وبغلاف من تصميم المهندس حيدر الأكرم مجسدا لظل شخص يجلس متحيرا  واضعا يده اليمنى على جبينه دلالة على التفكير بحالة  الإنهاك والخيبة  التي تعتريه متكئا بها على ركبته اليمني بينما يده اليسرى تستقر على فخذه الأيسر. توحي الصورة باليأس وقلة الحيلة إزاء ما يواجهه الشخص من الخيبات والمصائب . لقد قرأتْ اللوحة المتن الروائي وجسدته . وهذا هو حال شعبان الذي عمل بالكثير من الأشغال ليعيل نفسه وأبويه دون جدوى. وقد تضامن العنوان مع لوحة الغلاف في الإيحاء بمضمون المتن الروائي الذي أعتمد على القول المتداول للدلالة على الناشئ إذ اعتمد العنوان على القاعدة النحوية التي تنص على أن (كان) الفعل الماضي  الناقص تنصب خبرها  , وهكذا فعلت الحياة بشعبان . ويبدو ان اسم شعبان يحمل دلالة  وإيحاءً اجتماعيا للتعبير عن حالة العوز والفقر , وسبق للسينما المصرية أن أنتجت فلما بعنوان ( شعبان تحت الصفر ) بطولة عادل أمام وجميل راتب . والرواية تقوم أساسا على فكرة الهجرة  والحلم بالرفاهية والهروب من واقع مرير يعيشه البطل ينتهي به الأمر غريقا بإحدى الترع تارة وأخرى غريقا بالبحر ويتم إنقاذه بينما يموت الآخرون . ( قرر شعبان أن يخوض المغامرة  ويذهب الى مدينة الأحلام ففرص العمل في بلده أصبحت ضعيفة جدا ) ص3 . 

في المتن الروائي الذي أعتمد على التتابع الكرنولوجي للأحداث  مع محاولة الحفاظ على شكل فني يعتمد على الحلم ( أستسلم شعبان لغفوة قصيرة جدا رأى خلالها طيورا بيضاء عملاقة تهبط من السماء وتخطف كل من في السيارة )ص21, ليعبر عن مرارة الواقع وطموحات شعبان الذي بلغ الثالثة والثلاثون و لا يعرف العوم ( لم أكمل تعليمي رغم ان مجموع الثانوية العامة كان يدخلني احسن كلية , ولم أعين بوظيفة , ولم أدخل الجيش لأني وحيد أمي وأبي )ص 18دون ان يتمكن من ترتيب حياته , حيث لا يزال أعزب ( نفسي أطمئن عليه اللي زيه كلهم أتجوزوا وخلفوا ) ص 31, يسكن مع أبويه الكبيرين في السن في بيت آيل لسقوط ويعتاش على كد أبيه العامل في مقهى شعبي  والذي يردد دائما ( أحنا أحسن من غيرنا  يابا ) ص 29 .

اعتمدت الرواية أساسا على ثيمة الحلم بعالم اليوتيبيا للهروب من الواقع المرير عبر الهجرة إلى بلدان أخرى حيث يخبرنا الراوي الخارجي /العليم منذ بدء الرواية برغبة شعبان للهجرة من بلده دمياط الى بورسعيد رغم انه (اشتغل بكل مهن دمياط )ص 6 ( بورسعيد المدينة الحرة . مدينة البضائع . باب الرزق للكثير من الناس ؛ ظل شعبان يحلم بها أياما وأسابيع منذ حكى له عنها ابن عمه رضا الذي تحول في ظرف سنة واحدة من صعلوك إلى تاجر كبير, وصاحب محل ملابس في منطقة باب الحرس ) ص 6لتنتهي رحلته بالعناء والمرارة بعد أن يتركه المهربون مع بضعة ركاب في العراء  عرضة لكل أنواع المصائب , ليقرر بعدها عدم العودة لمثل هذه المغامرة رغم  الربح الوفير الذي حققه من هذه التجارة التي تشبه تجارة المخدرات (ومع ذلك قرر  ألا يعود إلى بورسعيد مرة أخرى حتى لو اضطر أن يعمل بقية عمره زبالا ) ص 17 . ليسافر إلى رأس البر وبالكاد ينجو من الموت غرقا من بين ركاب الباص . أن هذا التأرجح بين الواقع والرؤيا لإظهار البطل / شعبان مهيأ للهواجس وتأكيدا للمعطى السايكولوجي الواقع تحت سطوته .لكن الرؤيا لم تتجاوز النقد الاجتماعي حيث كانت معادلا للحيف الواقع على الفرد والمجتمع. لقد رأينا أن الرؤيا بنية فنية انبثقت من المعمار الفني للرواية . فبطل الرواية حالم يهرب من عالمه المرير إلى عالم بهيج , فيرى نفسه وقد استطاع بمهارته أن يصبح مستشارا من خلف الستار للمحافظ  , وقد تمكن من إنجاز الكثير لأبناء محافظته ونفسه ( إن ألتعبير عن اللاشعور كثيرا ما يؤدي إلى هذه النتيجة  ) 3التي جعلنا الكاتب نعيش معه في أجواء حالمة تنقلب إلى كابوس كما هو الحال مع قصة خطوبته الأولى ليكتشف لاحقا إنها كانت محاولة لاستغلاله واستخدامه جسرا لمآرب أحد التنظيمات التي لم يبح بذكرها علنا لكنه أوحى للقارئ بذلك عبر معلومات بثها ضمن المتن الروائي (... بينما وجدها تسأله بجرأة واضحة  - بتصلي ؟ . – طبعا هو فيه حد مابيصليش ؟ !! . - وإيه رأيك في النقاب ؟ . – من ناحية أيه ؟! .- يعني إيه رأيك فيه , هل تعتقد أنه سنة , أم فرض ؟.)ص102 لكن عملية الكشف من قبل شعبان ,والتي تمت عقب تفعيل آلية الوهم , لم تكن مقنعة بل تمت  من خلال طريقة بوليسية غالبا ما تستخدم في أفلام الخمسينيات التي تعتمد على أعلاء مشاعر السذاجة بالنفس البشرية , إذ يختبأ تحت السرير في غرفة خطيبته لينصت إلى حوارها مع أبيها ليكتشف أنه أستهدف بسبب  منصبه غير المعلن والمؤثر في المحافظة قبل ان تجري عملية اغتيال المحافظ ليصبح موظفا عاديا بحكم تعليمه المتواضع . كما وعانت الرواية من ضيق لغة الحوار الذي تم باللغة الدارجة المصرية مما حد من سهولة استيعابه رغم ان هذه اللغة قد تبدو مألوفة لدى الكثير من  القُرّاء العرب بفعل انتشار السينما المصرية  , لكنها حققت انسجاما واضحا مع شخصيات الرواية . يقول غائب  طعمة فرمان : الحوار الأدبي جزء مهم في تكوين الشخصية ورسم الحدث وآثاره اللحظة التاريخية. 4وهذا كله من أجل تحقيق إقناع القارئ الذي لا يتحقق إلا بالحوار. يقول يوسف السباعي ( من المستثقل الممجوج أن نحاول  إنطاق أشخاص القصة باللغة الفصيحة, وهم لا يمكنهم  في حياتهم الطبيعية أن ينطقوا بها ) 5 ورغم كثرة المبررات إلاّ أنها لا تبعدنا عن ادعاءات بعض النقاد التي تُؤشر الى عجز الكاتب أكثر من عجز الحوار الفصيح عن الإقناع ). لقد وفرت خاتمة الرواية دهشة منحتها دينامية كادت تفقدها استفاد فيها الكاتب من ميكانيزم القصة القصيرة جدا باعتباره أحد كتاب هذا النوع السردي الذي تعتبر فيه القفلة المدهشة إحدى خواصه الفنية ,  إذ يتضح أن شعبان تم إنقاذه بعد غرق زورق مهاجرين في البحر (تعرف على صوت عمه محمود وهو بقول :أنا مش عارف  الحكومة ما بتشوفش حل لمشكلة الشباب اللي مش لاقي شغل ليه ؟ كل يوم نسمع عن مركب بتغرق وعليها شباب زي الورد هاجين من البلد ورايحين يدوروا على شغ في بلاد الغربة ) ص 141. لقد أفلحت الرواية في عرض واقع مرير تعاني منه الكثير من مجتمعاتنا .

 

 

 

 

1- ويكبيديا

2- أدب الديستوبيا / منشور/ نرمين صلاح

3- التجريب في القصة العراقية القصيرة

4 - مشكلة الحوار في الرواية العربية

5 - نفس المصدر

 ******* 

ميكروكوزموس(Micro-cosmos

في رواية شعبان في خبر كان

للكاتب المصري متولي بصل

دراسة بقلم الأديبة الأردنية سارة محمود

أبدع الكاتب متولي بصل في اختيار العنوان وذلك أدى إلى جذب القارئ لقراءة الرواية ....ومن هنا بدأ عنصر الإدهاش . معنى العنوان : شعبان في خبر كان ....معنى قولهم: «فلان راح في خبر كان»، أي أصبح من الماضي الذي نتحدث عنه بصيغة: كانَ، وليس المراد الخبر النحويوأنه ذهب ضحية ...ولن يكون هناك مجال لمساعدتهوهذا من الدارج في اللغة الشعبية لبعض المجتمعات . الأدب عالمٌ سحري يجمع بين الكلمات والأفكار ليخلق لنا عوالم موازية نستكشفها ونعيش فيها، وفي هذا العالم الساحر، تبرز بعض الأعمال بوجه خاص تلك التي تترك أثراً عميقاً في عقول القرّاء وتلتصق بأرواحهم كألوان متنوعة للواقع والمجتمع . تعد هذه الرواية(شعبان في خبر كان ) تحفة أدبية تجمع بين القوة السردية والغموض الرمزيفهي ليست مجرد قصة سردها الكاتب، بل هي عالم موازٍ يحمل في طياته رموزاً ورسائل تستدعي القرّاء للتأمل والتحليللأن هذه الرواية رواية اجتماعية بحت تصور واقع الإنسان المصري في ظل هذه الظروف . ومن خلال أحداثها وشخصياتها وتفاصيلها، تصوّر الرواية جزءاً من الإنسانية، وتعكس صراعاتها وأمانيها وتطلعاتها. ولعلّ أحد أهم ما يميّز هذه الرواية هو تجسيدها البارع للخيوط المعقدة لصراع الاقتصادي الاجتماعي البحت للمجتمع . نستكشف تفاصيله وشخصياته، ونقف أمام الرموز المشتعلة التي تحمل معاني تتجاوز السطور والفقرات. سنبحر في أعماق تلك الحكاية الصغيرة والكبيرة في آنٍ واحد، حيث تتقاطع الحياة والموت والحب والصراع والتناقض الكبير فيها . سيكون هذا النقد مساحة لفهم أبعاد الرواية والغوص في أفكارها، محاولين فك رموزها والكشف عن الجمال الخفي الذي يكمن في تفاصيلها. في هذا النقد، سيتم تحليل عناصر الرواية بعمق، بدءًا من عنوانها الرمزي وانتهاءً بتأثيرها الفلسفي والاجتماعي على القرّاء. سنسعى لفهم دلالات الشخصيات والأحداث، وكيف تتشكل البيئة المحيطة بالمجتمع المصري لتعكس الإنسانية في أوجهها المتعددةتأتي رواية “شعبان في خبر كان ” محملة بغنى فني ورمزي يجذب القارئ للاستمتاع بالقصة والتفكير في المعاني العميقة والرموز التي يتخذها الكاتبميكروكوزموس (Micro-cosmos) ...ذلك العالم الصغير الذي صنعه الكاتب في روايتهتظهر الرواية العديد من الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تنطوي على رسائل وتعليقات معينة عن الحياة البشرية وتعاملها مع السلطة والفقر وقلة فرص العمل وتفاوت الأسعار وتسليط الضوء على تجاوزات جما في هذه البيئة . يظهر الكاتب ببراعة كيف أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية تتسبب في تحولات في هياكل السلطة والهيكل الاجتماعي، وكيف يمكن لتلك التغيرات أن تفجر صراعات وصدامات داخل المجتمعوهو يشكل تحديًا مثيرًا للنقاش والتفسير. تُظهر الرواية العديد من الطبقات والأبعاد، مما يجعلها تُعبّر عن تجربة إنسانية شاملة تستحق التأمل والاستمتاع بقراءتها وتفسير معانيها المتعددةيمكن تحليل الوصف في الرواية من خلال فحص التقنيات الأدبية التي استخدمها المؤلف لنقل المكان والشخصيات والمزاج. يمكن أن يشمل ذلك استخدام الصور الحية والتفاصيل الحسية واللغة التصويرية والرمزية. ومن خلال تحديد وتقييم هذه التقنيات، يمكن للمرء الحصول على فهم أعمق لنوايا المؤلف والتأثير العام للوصف على القارئفي السرد غير الوصفي للرواية يجب توافر العناصر التالية: 1. المكان: الزمان والمكان الذي تجري فيه القصة....وهنا حدد الكاتب الأماكن بدقة متناهية وفصل كل ما فيها مثل دمياط وتميزها بصناعة الأثاث مثلا ورأس البر ...وغيرها من الأماكن الموجودة في المجتمع المصري . 2. التوصيف: وصف للشخصيات الرئيسية وسماتها وعلاقاتها مع بعضها البعض...فكان شديد الدقة بوصف شخصية شعبان كشخصية رئيسية في الرواية . 3. الحبكة: تسلسل الأحداث التي تشكل القصة...كان ذلك بترتيب متقن وواعي من قبل الكاتب واستعمل هنا الرواية العليم بشكل واضح في بعض الجزئيات. 4. الموضوع: الرسالة أو المعنى الأساسي للرواية...كانت رسالته واضحة سواء اجتماعية أو اقتصادية . 5. النغمة: موقف المؤلف تجاه الموضوع والجمهور...هنا كان تناغم الكاتب مع الحدث (محور الرواية ) واضحا جليا برفضه ذلك الواقع المرير . 6. الأسلوب: اختيار الكاتب للكلمات، وبنية الجملة، والتقنيات الأدبية المستخدمة في نقل القصة....استعمل اللهجة الدارجة واللغة البسيطة وبعض الأمثال الشعبية والأقوال بين هذه الفئات . 7. وجهة النظر: المنظور الذي تُروى القصة منه، مثل ضمير المخاطب أو ضمير الغائب...كان بارعا في التناوب بينهما وكان ذا إبداع في طرح وجهة نظره المبطنة من خلال الشخصيات والأحداثمما ساعد من خلال هذه العناصر في إنشاء سرد كامل وجذاب للقارئوكـل المحاولات التي بذلها المؤلف للوصل خفيفة خفية متهافتة، إلى الحد الذي كنت أتمنى فيـه أن تظل هذه الفصول بدون أرقام وأن تخضع إلى نوع مختلف من المونتاج أو الاختصار. إن ضخـامة الجهـد التوثيقي الـذي بذله الكاتب واضح من خلال السر. المتقن . بل إنني أشعـر أن كثيرا منهـا قـد دخل إلى السياق السردي بعد أن اكتسب حياة فنية تدخله في لب التكوين الروائيالرواية - فعلا - جـديدة من ناحية شكلها الفني المتميز: تلك التوليفة المجـدولة بين السرد القصصي الـذي يـروي حيـاة شعبان والمجتمع والواقع . الرواية أيضا جديـدة في الجرأة السياسية، والاجتماعية. إلا أن المسألة الأساسية هي أن هذا التجديد ظل ظاهرا، ظل مقصودا، متعمدا ولا أقول.. مصنوعا.إن الرواية نفسها- شكلا ومضمونا - تقترح علينا تطورا أصيلا.. ظل القارئ ينتظـر طوال الـوقت.. ذلك التطور المطلوب هو أن تـذوب الوقائع التوثيقية داخل السياق السردي.. داخل شخصيات الرواية.. داخل ذات الرواية. وهذا حقق التجديد الفني تلقائيا. لذلك كان واقعا حيا، وكـانت الدلالة السياسية الصارخة اكتست لحما فنيا ويسري فيها دم أدبي خالصفقام الكاتب بتطوير (للبطل الإشكالي) كشخصية مركزية بالنظر إلى أفكار الفشل و الإحباط. والموقع الرئيسي لأحداث الرواية –في المجتمع المصري – يزود الروائي بخلفية يجمع بين مواضيع الفساد والنفاق والإحباط والتهرب الجمركي وانتشار الرشوة ومخالفة الأمانة العملية (المحاماة ) وسلط الضوء على البنية التحتية للمواصلات ، المواضيع التي كانت بارزة في رواياته الأخرى، مع تأكيد جديد على التعصب الديني الذي يعكس تحولا في المجتمع المصري المعاصرثم إن هذه الرواية تتميز بالتعقيد البنائي السردي للأحداث مع البناء الخيالي وكذلك التجريب الأدبي الجريءالتركيب البنائي للروايةقد قسم الروائي الرواية إلى ثمانية أجزاء ، مستخدما تقنيات سردية مختلفةويحكي قصة “شعبان” بصيغة الغائب في جزئية، ثم بصيغة المتكلم في جزئية أخرى بالتناوب. يبدأ الفصل بصيغة الغائب، فسارد غائب يسرد يحكي قصة شعبان، و الفصل الثاني يستخدم ضمير المتكلم، هكذا يستمر إلى الفصل الثامن. يفتتح الفصل الأول بالبطل الرئيسي “شعبان” وهو هائم في بور سعيد (المدينة الحرة ). الذي مل من مهنة التجارة بعد أن شاهد ابن عمه رضا المعدم بعد أقل من عام أصبح من الأثرياء حتى أن الأغلبية يشككون بثروته وأن مصدرها المخدرات . مع سرد مفصل بأن البطل عمل في الكثير من الأعمال لكنه لم يفلح بأي منها من الأمور التي ناقشها الكاتب في روايته سوء الطرقات وحوادث الطرق البطالة تفاوت الأسعار للسلع ما يحدث في مكاتب المحاماة وأيضا ما يحدث من قبل أصحاب المناصب . الرواية جميلة من حيث الموضوع واللغة والأحداث وقوة البنية والسرد . لكن كنت أتوقع نهاية مغايرة لهذه الحكاية ويكون فيها عنصر الدهشة والمفاجئة فاعلة بطريقة قوية كبداية الرواية 






 

 




 


 


 


 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة