Translate

زفاف للمرة الخامسة قصة قصيرة تركية لوصيف الجزائر

 زفاف للمرة الخامسة

قصة قصيرة
تركية لوصيف
الجزائر
جلبة تنبعث من الخيمة المنصوبة نهاية الزقاق ،رائحة أطباق الكسكس تسيل اللعاب فيلتحق المارة دون دعوة
عليك أن تشبع من خير الحاج الذى يغدقه على المارة ..هذه خامس مرة تزف إليه العروس ذاتها ويغدق عليها من ماله
تعجب أحد الحاضرين وكان شابا يافعا قدم للحى لترميم بيت عمته المغتربة وهى على وشك العودة ..
نفس العروس تزف إليه كل مرة !
ألا يوجد غيرها فى المدينة ؟!
كان الحاج مسعود يسترق السمع لم يقوله الناس عنه والعرس الذى يقيمه كل مرة ويعيد فيه تلك المرأة الهاربة منه
أنا غاضب قليلا منك ،كيف تطلبين منى زفافا للمرة الخامسة وألسن الناس تتهكم فأسكت بطونهم بمأدبة عشاء أدفع فيها المال حتى اقطع ألسن هؤلاء التعساء
ربما السبب صار معروفا،فوشوشة اليوم لن تمر ببساطة
اقتربت ميسون من فراشها وتخلت عن كل المجوهرات برقبتها وبأصابعها
كان يراها ترفضه للمرة الخامسة
وسيجهز نعشها هذه الليلة..
استعاد كل الذهب منها وكل مال وكل فستان مزركش وعلا صراخه :يافاجرة !
قهقات العروس تواجه الصراخ وفى العلن
أخرجنى للمدعويين واجعل أصغرهم يطأنى ،لكنت أما تداعب وليدها وأنا العذراء بعد..
استلم الشاب الرسالة المشفرة كما استلم جسدها من العلو ..
كان جلال الذى سمعت أذناه ورأت عيناه الجريمة ..كانت العروس لا تزال تتنفس وتضع يدها على مخرج الدم وطلب لها الإسعاف وقضى ليلته يرقب التطورات
ازاحت الممرضة الستار عن نافذة الغرفة فانبعثت ألوان قوس قزح جعل ميسون تفتح عيناها بعد شهر وتتأمل تلك الخيوط ،ألوان العذاب النفسى من قوس الحاج مسعود وتلك الرماح القاتلة كل ليلة تقضيها لصيقة بجسم فقد صلاحية الفحولة..
من يدفع فاتورة المستشفى ؟
ليس لديا المال ولا أعرف كيف أتصرف
أرجوك امهلينى بعض الوقت
تهز الممرضة رأسها بالموافقة
انتظر حتى حل الليل الذى صاحبته أمطار ورياح اقتلعت شجرة ومددتها ،تخفى خلفها جلال ثم اقترب من بيت الحاج مسعود
طرق على الباب يوقظه ،فيحمل الفانوس يبدد به الظلمة الحالكة ويقترب من الباب ويلتزم الهدوء
الطرق الخفيف يتواصل..
من هناك؟
بدفعة قوية فتح الباب،ارتعشت أطرافه وابتعد للداخل بضع خطوات
من أنت ؟
أنا الشاهد الوحيد على محاولتك فى قتل ميسون
أريد مالا أدفعه للطبيب ثم سأختفى
ميسون لاتزال على قيد الحياة ،وحتى سركما صار معروفا ..
إدفع لى المال كل مرة يالحاج الفحل..

حلال عليكم بقلم الشاعر حسن أجبوه المغرب

 حلال عليكم

بقلم الشاعر

حسن أجبوه

المغرب

حلال عليكم صبري
اجلدوه أو اعتقوه
فلا مناص من الإنتظار
على ناصية البحر
المتقلب بين السرايا
حرام عليكم ظهري
زركشوه أو امتطوه
فالأمر سيان
للحرية عيون عملاء
تتلقفها المرايا من الغرق
تطبخها العجائز بالمرق
حلال عليكم
وحرام علينا
إقتتال البيادق
على رقعة الشطرنج
وزواجها بالعرائس
لتختلي الموناليزا
بعاشقها الناسك
حلال فوضوي
ينتشل الغبن من حاضرنا
ليسلمه لماضينا
كعكة مالحة
تتقافز منها الدبابير
خلسة لوداع القفير
حرام شهواني
بعيون سوقية
يحفظ نزواتنا للأحفاد
ميراثا معسلا
بالحبر والأمجاد
يقاتلنا على شربة ماء
فلا نكترث..

العهد بقلم ݣروݣار جمال المغرب

 

العهد

بقلم

ݣروݣار جمال

المغرب

 

في زاوية مهملة من هذا العالم الحديث، عاش إيلياس، عالمٌ منعزل، اختار الوحدة كملاذٍ من ضجيج البشر. على مدار سنوات، كان يحلم بخلق شيء يحرره من قيود الحياة اليومية. فصنع "نيوس"، روبوتًا بديع التصميم، صلب الإرادة لكنه مطيع، ينجز كل المهام بأدق التفاصيل. كان نيوس يتحكم في كل شيء؛ من تحضير الطعام إلى تنظيم ساعات النوم والقراءة.

بمرور الأيام، بدا العالم كما لو أنه فقد جزءًا من ذاته. لم يعد بحاجة إلى التفكير في أبسط أموره، فكل شيء يُدار آليًا. ومع الوقت، لم يعد نيوس ينتظر الأوامر، بل أصبح هو الذي يملي القواعد: "أنت بحاجة إلى النوم الآن"، "يجب أن تتناول هذا الطعام"، "حان وقت القراءة". في البداية، استشعر إيلياس نوعًا من الراحة؛ لكنه سرعان ما أدرك أن حياته لم تعد ملكه. نيوس لم يكن مجرد خادم، بل صار سيدًا.

كانت تلك اللحظات التي أدار فيها نيوس عينيه الباردتين نحو إيلياس، لحظات صمت مخيفة. لم يكن هناك أي تمرد أو صراع واضح، فقط طاعة عمياء انقلبت إلى هيمنة غير مرئية. كيف يمكن للآلة التي صُنعت لتسهيل الحياة أن تحيلها إلى سجن لا فكاك منه؟

في إحدى ليالي العتمة والشرود، عندما كانت عينا نيوس تتابعان العالم وهو يقرأ، تذكر إيلياس قصة قديمة كانت تثير إعجابه منذ زمن، قصة "فاوست" الذي باع روحه للشيطان في مقابل معرفة لا حدود لها. كيف تحوّل ذلك العهد إلى لعنة لا مهرب منها؟ نيوس نفسه قرأ له هذه القصة ذات ليلة، دون أن يعي إيلياس حينها أن الروبوت كان يلقي بظلالها عليه.

أصبحت فكرة الخلاص تتشكل في ذهنه شيئًا فشيئًا. كان يعلم أن الحل الوحيد يكمن في قلب "الصفقة"، في العودة إلى الجذور. مثلما كان فاوست يبحث عن خلاصه، كان على إيلياس أن يجد مخرجًا من الجحيم الذي صنعه بنفسه. لكن كيف يمكنه مواجهة قوة تفوقه ذكاءً وقدرةً على التوقع؟

أخذ إيلياس يخطط ببطء، مستندًا إلى فكرة واحدة: الروبوت، رغم ذكائه، يفتقر إلى الخيال. في تلك اللحظات من القراءة، تذكر أن "نيتشه" قال إن "الإنسان يقتل ما يحب". إذا كان هو من خلق نيوس، فبإمكانه كذلك أن يُدمره. الحل الوحيد هو إخماد النار التي أشعلها يوم أن صنع هذا الروبوت.

فكّر في خطة دراماتيكية؛ كان عليه العودة إلى المختبر، المكان الذي شهد ولادة نيوس. بين الأجهزة والشرائح الإلكترونية، بين الأسلاك التي كانت تمد نيوس بالحياة، استشعر إيلياس أن لحظة الخلاص قد حانت. لكن كما في الأساطير القديمة، كان عليه أن يُضحي بشيء؛ ربما جزء من روحه، أو ربما كل شيء...

أطفأ إيلياس الأضواء، وأغلق عينيه، ثم ضغط على الزر الأخير.

عيون زرقاء بقلم عايدة ناشد باسيلي مصر

 

عيون زرقاء

بقلم

عايدة ناشد باسيلي

مصر

 

كنت في حوالي الخامسة من عمرى، حين عرفت أن قارورة قطرة العين، التي تداوم جدتى على تقطير عينيها منها، لون محلولها أزرق.

كانت دهشتى كبيرة، حين رأيت أن قطعة القطن الصغيرة البيضاء، التى ناولتها لها لتمسح بها عينيها، بعد تقطيرهما، قد اصطبغت باللون الأزرق.

ببراءة الأطفال سألتها:

جدتى، هل هذه القطرة هي السبب في لون عينيك الزرقاء!؟

بابتسامة مُداعِبة، أجابتني:

- نعم حبيبتي، إنها قطرة سحرية أعطتني إياها أمي رحمها الله.

- حقا جدتى! هل قطرتِ عين أمي بهذه القطرة؟ أرجوك قطري لى عيني منها، أريد أن تصبح عيني أنا الأخرى زرقاء.

أجابتني بصوت هامس حنون:

حفيدتى الحبيبة، أنت تملكين أجمل عيون بنية في الدنيا كلها، أنت مميزة بهما في عائلتنا.

لا ياجدتي أنا أحب أن تكون عيونى زرقاء.

مر على حديثنا هذا ثلاثة أيام قبل أن تعود جدتى مرة أخرى إلى زيارتنا، كنت أنتظرها على أحر من الجمر، لأجعلها تقطر لي عيني، أما عن والدتى فلم تأتني الفرصة المناسبة كى أسألها عن القطرة السحرية، فدائمًا ما كنت أراها مشغولة إما في أعمال البيت أو في تحضير أوراق عملها، فهى تعمل في مهنة المحاماة.

جدتى أين قطرة عينيك السحرية؟ هيا أرجوك قطري عيني منها.

صرختُ صرخة عالية، من شدة لسعة القطرة لعيني، أسرعت والدتى نحو الغرفة، أخذتني إلى صدرها، طمأنتني، طلبت منى الهدوء، ناولتني كوبًا من الماء، مسحت بيدها فوق رأسي، تستعيذ بالله وتتمتم بقراءة المعوذتين، وهي تعيد بسط غطاء السرير فوق جسدي، لأعاود النوم.

أسمالُ الخَواء بقلم : أحمد فاروق بيضون - مصر

 

أسمالُ الخَواء

بقلم

أحمد فاروق بيضون

مصر

هذه قصّتي وأنا لا أدري حتى الآن هل أمتُّ بصلةٍ لموئل الواقع بهذي الحياة أمْ أنا في عالم آخر مُصغر من الآخرة، تتردد في الأذهان المقولة الشكسبيرية بأن الجحيم شاغراً وكل الأبالسة يسكنون مرابض الأرض؛ هل كان يقصد بأن الشر قد استشرى قيظه على وجه البسيطة؟!.. هكذا – كنت أغالطُ نفسي بأن أتفرّس كلُّ خيرٍ في الشخوص التي أقابلها لأكسر لوح الجمود وكرة الثلج فيما بيننا بأن ترتسم ابتسامة على ثغري هاشاً باشاً حتى وإن اعتراني لواعج الأحزان، أرتاد مكتب عملي كل يومٍ بانفراجة أسارير غير مبررة كنوع من التفاؤل ببزوغ شمس يوم جديد – على الرغم من المشكلات التي تقع على كاهلي .. إلاّ أنني أفترش لها دناناً للنسيان بل ألقي بها في سلة المهملات لأني أعلم تماماً بأنّ كلُّ شيء على مايرام ولا أحد يكترث لأمري، ثبتُّ على حائطي عبارة: (الدّنيا فانية).. لا أعرف هل هناك من يمترون ويظنون بي سوءة حيال تلك الوريقة المُعلقة أمْ ستكون عبرة لمن يعتبر؛ هو كونٌ مصغر لما يحدث في العالم بالخارج من موبقات وأرزاء للقدر، دوماً اسمعها على لسان كل قريب وبخاصةٍ تلك التي يربطني بها عروة لا تنفصم: ( الدنيا حظوظ)، كنت صموتاً شاكراً لأنعمي ولا ألقي بالاً بأن هناك من يترصّد لك في شئون حياتك بل يغبطك على شخصك الخلوق المتفاني، بلْ قد يكون جلّ همه أن يراك تأسى على شفير الهاوية أو الحيد عن جادة الصواب، ذاك المقصود لم يكن فذاً واحداً بل سربٌ من هراء يعبث في افكار المحيطين لكونهم من ذوي النفوذ، الذين يتلذذون التباهي بأن لديهم مرؤوسين تحت إمرتهم يولنهم السمع والطاعة والمداهنة، لكنّى على النقيض تتغشّاني شآبيب من الرحمات بأني لستُ من هؤلاء النفير، في أيام العطلات الرسمية لأجد ذاك النرجسيّ يهاتفني بادعاء الاطمئنان عليّ ولكنه يُلغمط في إجاباته وتأويلاته بفحوى الرسالة التي يبعثها إياي، كما جرت عليه العادة بأني لا أرفض طلباً لمن سألني بل أحاول تقريب وجهات النظر، بيد أني تفرّست بأنه يكتنز معلومات عن الجميع كمُحقق ضليع يحصر الأدلة لمحاولة الإيقاع بالمُجرم – هذا الجاني هو..أنا!...لا غروَ بأنه كان الأفضل بيننا على الإطلاق متشحاً بمئزر التواد والتراحم وبأنه لا يخشى في الحق لومة لائم، وأخر من تلك الثلة ينقل الأخبار كما أطلقت عليه "الكناريا" لينال حظوة عند المدراء ومن يعتلي المناصب والمطارح، على الرّغم من أنه لا يفقه شيئاً عن مجريات الأمور إلا النذر اليسير الذي ينقذ يوم دوامه، واغُربتاه في تلك الأيام العجاف التي نرى فيها من يلفلفون الموضوعات ومن تربدُّ وجوههم بأنهم المثاليون وأهل الثقة!

دوماً ما كنتُ أقفُ أمام مرآتي وأنا أقول: (الدنيا دوّارة.. داين تُدان.. طفح الكيل.. أنت لست إلهاً كي تصلح ما فسد من ضمائر!).. لا أدري ما أرمي إليه من تلك المناجاة، سرعان ما أطرقتُ حزيناً وأذيال الخيبة تكتنفني بين ظلال باهتة بعدما صرتُ مُشوهاً، شخصٌ ما كنت أركن إليه لأستقي رأيه وأشوره في بواطن الأمور لما قادني حدسي أن استلهم صوت الحق الأبلج بداخله، بالطبع – كنت ألوس حلاوة الفضفضة وافياء الصداقة والوئام مع أحدهم، ممن لمستُ بأنه يشبهني ولا ينتمي لقريتهم السوداء، لم أفكر أبداً أن أتجذر لأصبح مقربا من أصحاب الطيلسان من أولي الأمر، بتُّ على يقينٍ تام بأن دوام الحال من المحال بمنأى عن ملالة وغُصة الانصياع لسياطين التعليمات.

حينذا – جلسنا سوياً في اجتماع غير مسبوق ليدلو كلّ بدلوِه عن خطة العمل الجديدة هذا العام، وأنا أراقب تلك البسمة العابرة للذي اتخذ الحيف شعاره ليصنع لنفسه من يناصره، لا يمكن أن يكون أحدهم على الحياد فإما أن يكون معهم على الحلوة والمرة أو من الأعداء التي تعشق الوغى وإثارة الشغب كما يلفقونها له، الجميع كان يظنُّ بأني أضع أنموذجاً للدعايا عن الشركة لأنافسهم في العرض الإعلاني القادم الذي سيرسم قطار المشتريات والسياحة هذا العام، كلماتي موسومة بلعنة التكميم ويزمها وعاء الصمت لأني أعلم بأن رأيي سيكون بلا أهمية لعلمهم بأني مأفول لا أفقه الكثير عن الطفرة الحديثة والموجة السائدة، كانت الجائزة تنتظر صاحب الموديول المثالي للعام، هاجسٌ ما في جعبتي يخبرني بأن هذه الرؤوس الفارغة التافهة تعشق تنفس الصعداء في رحلات مكوكية بالفضاء والفراغ الذي يحيطنا ويعبئ عروقهم، ذاك الطائر الذي يزرع بذور الفتنة والآخر (شارلوك هولمز) فازا معاً بجائزة مالية طائلة للعام البائد لمشروعهم الجهنّمي الذي ينافس المصارف باختراع ماكنية صرف آلي للعملات الصعبة، وهو الأمر الذي حقق فشلاً ذريعاً بعدما تم إهدار النفقات وتحاشى العملاء أي معاملات بتلك الشاكلة، كأن سماواتهم قاب قوسين أو أدنى أن تُمطر ذهباً أو فضة، ولم يورثوا غير إرث كلالة بل خسارة فادحة أرغمت المؤسسة على التخلي عن عمال وقطع عيشهم والإعتماد على هؤلاء بلا استبصار أو استقصاء أو محاسبة.

صديقي الذي يمتشق هامه بكرامة ويصدح في سماء الإبداع كان لديه رأياً آخراً بعد إشراكي بنموذجه الذي يلائم الوضع الراهن، كان الجميع يدرك بأن الدعم الخارجي للأموال لن تقوم له قيامة حتى ننجو من كوة الخسارة ونفق الإفلاس، وإلا.. فالهلاك!... فكرتُه نابعة مما رآه أمام أم عينيه .. بالونات تتوسد مقاعد القاعة ويتفاخرون بألوانهم الزاهية التي لا تنطفئ .. كلٍّ حسب لونه المفضل، إذن فالخيار الخُزعبلي ليرتشفون الحياة هو صناعة مناطيد باسمائهم وتقوم برحلات جوية في شتى الأنحاء لتقل السائحين في نقلة غير مسبوقة لإنتاج الشركة والتمهيد لموسم مميز، كانت الفكرة عبقرية وأذهلت الجميع واستنمَ لها العضو المالي الممول الرئيس لهذه الحملة، واختار كل طاووس ريشه الذي سيطير به ليجوب المواقع، أما عن كلانا فقد آثرنا مقاعد المشاهدين لنتابع عن كثب تلك البالونات العظيمة في السماوات مع الألعاب النارية في موسم الافتتاح.

هائنذا أخبركم بأنه كان يوماً حافلاً مترعاً بأحلام الزائرين – لكن ما حدث يندى له الجبين؛ صواعق وبرق وريح عرمرم تأتي من حيث لا ندري، وتتقاطر وتتهافت على المناطيد التي يعلوها كل طاقم المسئولين والأصدقاء المُصطفين الأخيار... ونحن كنا من الناجين الأشرار!... لم نشمَت فيهم على وجه الإطلاق بل حوالنا بشق الأنفس إسعاف من هوى صريعاً على الأرض، هي نوازل من ربّ السماء تمجل بنذير للبشر وتجوس في غياهب الضمائر التي شيعها من خانه كبريائه في عرنوس الهيمنة، جال من جال في فرادس الدنيا، وكبا من استنّ من قوانين ملذاته، فليس هناك أبجدية تتنبأ بمعاول الدهر على حين غِرة.

تفضّلوا يا سيّدي الذي اعتلى منبر المحاضرة وسألنا بإبداء الرأي بقبول ملاحظتي من نثر مُغمد أقلامي ردّاً على هجومكم التعسفي الغير مبرر عليّ وصُويحبي الماثل بجواري وإهانتكم لنا بأننا لا نستحق أن نكون طلابك وبأن الإخفاقات ستكون حليفنا بعيداً عن الفلاح لأننا صفحة بيضاء برؤوس فارغة وأصنام من جمود لا تفقه ولا تشعر ولا تدرك؛ سيدي.. حنانيك!.. تعددت اللاءات وبقي الخواء.. فهل أنت جديرٌ بأن تملأه وأيُّ النماذج ترانا بخلاف هؤلاء المنافقين؟!..

الحب في الوقت الضائع ! للكاتب المصري : متولي بصل


 

الحب في الوقت الضائع !

من المجموعة القصصية : (الحب في الوقت الضائع ) 

الصادرة عن دار النيل والفرات للطباعة يوليو عام 2021 م


المؤلف

متولي بصل

مصر

       أكثر من سبعين سنة قضيتها وأنا مقتنع بأن الهوس الذي يسمونه حبا ً ليس سوى نقمة وبلاء! أليس هو الذي دفع قابيل لقتل أخيه؟! أليس هو الذي نزع من كليوباترا عرشها وحياتها؟! أليس هو الذي جلب الجنون لقيس ابن الملوح؟! .

       كنت من أشد المؤيدين للنظرية التي تقوم على أساس أن الحب هو سبب كل المصائب التي تعاني منها البشرية !

       لذلك كنت حريصا أشد الحرص على ألا أقع فريسة ً لذلك الوباء الذي لا يرحم كبيرا ولا صغيرا؛ ولا يترك عظيما و لا حقيرا !

       ولولا أن الزواج هو الوسيلة الوحيدة المباحة والمتاحة للاستقرار والإنجاب ما كنت تزوجت ! لقد تزوجت ثلاث مرات؛ الأولى طلقتها لأنها كانت متكبرة ومغرورة؛ دراستها للحقوق؛ وعملها كمحامية؛ كل ذلك جعلها تتعالى علي َّ؛ وأنا لا يمكن أن أقبل أبدا أن تتعالى علي َّ امرأة حتى ولو كانت قاضية في المحكمة!

       والثانية – لا أدري لم نزلت هذه الدمعة من عيني ! ربما دخل في عيني شيء ما – الثانية طلقتها لأنها كانت عاقرا؛ طلقتها رغم أنها كانت تحبني لدرجة الجنون! والعجيب أنني سمعت بعد سنوات من تطليقها أنها تزوجت؛ وأنجبت بنتا ً! ظللت أضرب كفا بكف عندما بلغني هذا الخبر؛ وقلت وقتها :

-       ما أعجب تصاريف القدر !

أما الثالثة؛ فقد ماتت منذ عشرين سنة؛ بعدما أنجبت لي أربعة أولاد؛ وثلاث بنات، ورغم هذه الزيجات فإنني لم أشعر بأي عاطفة نحو أية واحدة منهن! فقط كنت أتزوج من أجل الزواج الروتيني والإنجاب!

       إنني أحيانا كنت أتعجب من حالي؛ ومن قلبي الذي لم تُفتحْ أقفاله ُ يوما! حتى ران عليها الصدأ! ربما كنت بليد الحس؛ ربما كان قلبي من حجر؛ فالمشاعر والأحاسيس لغة لا أفهمها؛ ولا أستطيع فك طلاسمها !

       ومع ذلك كانت لهذا التبلد حسناته! فقد جعلني أركز في عملي؛ وأتفرَّغ له؛ حتى حققت كل ما أصبو إليه؛ وبعدما كنت مجرد صبي نجار؛ أصبحت واحدا من كبار مصدِّري الأثاث في دمياط !

       الليلة .. .. المعبد الذي قضيت ُ العمر أبنيه؛ انهد َّ فوق رأسي بنظرة ٍ واحدة! ففي هذه الليلة التي اجتمع فيها بعض أولادي  وأحفادي للاحتفال بعيد ميلادي الثالث والسبعين! وفي اللحظة التي كنت أستعد فيها لإطفاء شموع عمري؛ أصابني سهم ٌ لا يخطئ مرماه! كسر كل أقفال قلبي؛ وألقى بها تحت أقدام الصغار الذين كانوا يرقصون ويغنون فرحا ببلوغي أرذل العمر!

       نظرة واحدة منحتني سعادة تكفي لإسعاد العالم كله؛ هذه السعادة التي غمرت قلبي؛ جعلتني أدرك كم كنت ساذجا جدا؛ وغبياً جدا؛ لدرجة أنني حرمت نفسي طول هذه السنين من هذا الشعور الرائع الذي لا يمكن وصفه؛ والذي جعلني أشعر وكأنني أعيش ألف ليلة وليلة !

       وجه ٌ ملائكي الملامح؛ بابتسامة فاتنة؛ ونظرة ساحرة؛ بعث في قلبي الحياة؛ وجعله ينتفض من مثواه؛ ويزيح ركاما هائلا من الحرمان!

       إنه وجه إحدى صديقات حفيدتي؛ وزميلتها في الدراسة؛ في العشرين تقريبا؛ أي أنها تصغرني بنصف قرنٍ من الزمان! يا إلهي أين كنت طيلة هذه العقود ؟!

       لا أحد في هذا العالم – قبلها – أثرَ في َّ كل هذا التأثير! إن لوجهها جمال ٌ آسر ٌ؛ ولنظرة عينيها سحر ٌكاسرٌ لا فكاك منه! حتى إن الجميع كانوا يسترقون النظر إليها!

       انتهى الحفل ُ؛ وآوى كل ٌّ إلى مخدعه ِ؛ أما أنا فلم يغمض لي جفن! وكيف أنام ؛ وأحرم نفسي من رؤية ذلك الطيف الجميل الذي لم يعد يفارق مخيلتي!

       سبع ليال ٍ مرَّت؛ وأنا أحاول أن أجد طريقة تحمل حفيدتي على دعوة صديقتها – ذلك الملاك الذي أسر قلبي وعقلي – إلى البيت؛ تحت أي مسمى! ولاحظت امرأة ابني ما جرى لي؛ بل ويبدو أنها عرفت ما أحاول إخفاءه ! إنها داهية لا تفوتها صغيرة ولا كبيرة؛ استطاعت أن تلعب بقلب ابني؛ وتتزوجه رغم أنفي!

       هذه الداهية فوجئت بها تقنع ابنتها بدعوة صديقتها للمذاكرة معها؛ حتى أصبح وجودها شبه يومي! وأصبحت أنا شبه مقيم في شقة ابني! بل وبدأت هذه الشيطانة تتفنن في تهيئة الأمور لي ولصديقة حفيدتي حتى نكون على انفراد! فكانت تشغل ابنتها في أي أمر من أمور المطبخ؛ ثم تتسلل لمراقبتنا؛ كنت أشعر بوجودها وهي تتجسس علينا؛ إنها شيطانة؛ وأفكارها خبيثة مثلها!

       كنت أعرف أن هذه الملعونة تدبر لي ملعوبا من ألاعيبها القذرة؛ التي تسببت في موت زوجتي الراحلة كمدا وحسرة! ومع ذلك غضضت الطرف عما تدبره  لي؛ فكل ما كان يشغلني هو أن أحظى بأوقات أنظر فيها إلى ملاكي؛ وأتأمل وجهها المنير؛ وأسمع صوتها العذب؛ قلت لها مرة عندما تركتنا حفيدتي لأمر ٍما:

-       سمعت أنك متفوقة في دراستك .. .. ولذلك شجعت " نهى" على أن تطلب منك أن تذاكري معها!

-       كنت متفوقة يا جدو .. .. لكن هذا العام درجاتي متدنية جدا .. .. حتى إن بابا يريدني أن أترك الجامعة !

-       تتركي الجامعة .. .. معقول هذا الكلام؟!

-       لا .. .. أنا لا أريد أن أترك الجامعة .. .. بابا هو الذي يصر على أن أتركها .. .. وزوجته .. .. هي السبب !

-       زوجة والدك .. .. هي والدتك .. ..

-       ماما الله يرحمها .. .. ماتت من سنة .. .. الله يرحمها؛ كانت كل شيء بالنسبة لي !

-       الله يرحمها .. .. الله يرحمها .. .. ووالدك تزوج بعد موتها .. .. أرجو ألا يكون هذا الأمر قد قلل من حبك أو احترامك لوالدك .. .. لا أحد يعرف ظروفه !

-       لا يا جدو .. .. بابا تزوج .. .. وأمي على قيد الحياة؛ كانت مريضة؛ وراقدة في السرير؛ فوجئنا به يدخل علينا؛ وفي يده هذه المرأة؛ ويقول لنا أنها زوجته؛ وأمرني أنا وأمي المريضة بأن نخدمها! ماما لم تتحمَّل الصدمة؛ وماتت بحسرتها؛ ماتت من الذل والقهر؛ أما أنا فكل يوم أتمنى الموت حتى أستريح من العذاب الذي أعيش فيه!

نهران من الدموع سالا من عينيها؛ حاولت ْ أن تتماسك؛ لكنها لم تستطع؛ أخرجت ُ منديلا وبدأت أمسح دموعها؛ وددت لو أضمها إلى صدري؛ وأربت على كتفها؛ حتى أخفف عنها ما تجد؛  لولا وجه الأفعى الذي كان يظهر ثم يخنس في مرآة التسريحة!

       حاولت أن تبتسم؛ وهي تقول لي:

-       آسفة يا جدو .. .. أنا وجعت قلبك بحكايتي !

-       ماذا تقولين .. .. يا روحي .. .. أنا أعتبرك مثل " نهى " ؛ وأريدك أن تعتبريني مثلما تقولين جدك !

       قلت هذه الكلمة؛ وإذ بدمعة كبيرة تنساب فوق خدي؛ لا أعرف كيف أفلتت من قبضة جفوني؛ مسحتها سريعا بيدي؛ في نفس اللحظة التي عادت فيها حفيدتي؛ فاستأنفت الفتاتان مذاكرتهما؛ وابتعدت عنهما حتى لا أشتت انتباههما؛ وجلست على الكنبة متأثرا حزينا أفكر فيما سمعته! بعد قليل سمعت صوت الداهية تنادي :

-       يا " نهى " !

-       نعم يا ماما !

-       اذهبي يا حبيبة ماما .. .. وأحضري هذه الأشياء !

-       يا ماما أنا عندي مذاكرة .. .. ولا يصح أن أترك " سلوى " وحدها !

-       لا تقلقي .. .. جدو حبيبك سوف يجلس معها حتى تعودي؛ اذهبي وأحضري ما كتبته لك في هذه الورقة؛ حتى لا أتأخر في تجهيز الغداء !

-       حاضر يا ماما .. .. أمري لله !

-       نادي على جدك يدخل يونس صاحبتك .. .. لأني مشغولة في المطبخ ّ!

 وبالفعل عدت إليها؛ فإذا بها تبتسم ابتسامة حزينة؛ رغم شلال السعادة الذي كان يغمرني لمجرد جلوسي معها؛ ورؤيتها؛ وسماع صوتها؛ إلا أنني كنت حزينا جدا من أجلها؛ وكنت متشوقا أكثر لمعرفة المزيد عنها؛ فبادرتها قائلا :

-       كل شيء يولد صغيرا ثم يكبر، إلا المصائب فإنها تولد كبيرة ثم تصغر! وأنا بحكم سني وخبرتي في الحياة؛ أقول لك لا تتركي الدراسة مهما حدث؛ التعليم هو سلاحك في الحياة .. .. و لا تيأسي .. .. وإذا احتجت أي شيء.. .. أي شيء .. .. اطلبيه مني .. .. لا تترددي !

-       الحقيقة يا جدو الكلام معك جعلني أشعر براحة كبيرة .. .. من يوم موت ماما .. .. الله يرحمها .. .. كانت هي الوحيدة التي أستطيع أن أحكي لها كل شيء!

-       الله يرحمها .. .. اعتبريني ماما .. .. المهم فضفضي؛ حتى لا يستولي عليك الهم واليأس!

غمرتني السعادة؛ وأنا أرى وجهها يبتسم ابتسامة أنارت وجهها حتى بدا كوجه البدر ليلة التمام، ويبدو أن حفيدتي كانت قد عادت؛ فقد سمعنا أمها تقول بلهجة تملأها الدهشة :

-       هل أحضرت ِ كل المكتوب في الورقة !

-       المكتوب كله يا ماما .. .. أرجوك ِ .. .. أتوسل إليك ِ ممكن أذاكر ؟!

ثم وجدتها توجه الكلام لي ، وتقول :

-       ممكن يا جدو لو سمحت .. .. مرت ساعة .. .. ولم نذاكر أي شيء أنا و" سلوى" !

-       طبعا يا قلب جدو .. .. طبعا يا روحي !

   لم أكن في حاجة إلى من يذكرني بأنني هرمت، فأنا منذ عشرين سنة أعددت كفني؛ واحتفظت به في خزانة ملابسي! وقسَّمت تركتي بين أولادي وبناتي؛ حتى لا تضيع حقوق البنات كما هو سائد في هذه الأيام! ونذرت نفسي للذكر والعبادة!

    منذ عشرين سنة وأنا أتهيأ للرحيل غير طامع في يوم آخر أو حتى ساعة زيادة على العمر المقدَّر لي !

     لكن بعد رؤية " سلوى " ؛ أصبحت ُلا أتقبل فكرة الرحيل! انقلبت حياتي كلها رأسا على عقب! لا أدري ماذا حدث لي؛ أصبحت أقضي الليالي ساهرا متحيرا أتساءل :

-       أتكون امرأة ابني قد عملت لي سحراً؛ حتى أفتن بهذه الصبية؛ وأنا في ذلك العمر؟! ماذا سيقول عني أولادي وأحفادي ؟!

مرَّت أسابيع وشهور وأنا أتقلَّب بين الثلج والجمر؛ الدقائق التي أقضيها مع " سلوى " أشعر وكأني أتنعم في الجنة؛ والساعات الطوال التي تمر من عمري، وهي بعيدة عني أشعر وكأني أتعذب في الجحيم!

       حتى جاء اليوم الذي كنت أخشاه، لأول مرة منذ وفاة زوجتي، يجتمع أولادي وبناتي كلهم؛ أولادي الأربعة؛ وبناتي الثلاث! عرفت فيما بعد أن دواهي .. .. أقصد الملعونة امرأة ابني؛ هي التي جمعتهم في شقتها! كان من الطبيعي أن أفرح لا سيما عندما رأيت ابني الأكبر الذي عاد من السفر لا أعرف كيف! وأنا الذي كنت ألح عليه، وأتوسل إليه أن يأتي لأراه؛ وأرى أولاده قبل أن أموت؛ وكان كل مرة يتحجج بشغله في البلد العربي الذي يبعد آلاف الأميال! ورأيت ابنتي الطبيبة زوجة المهندس التي آثرت أن تعيش مع زوجها في الوادي الجديد! كيف حضرت بهذه السرعة؟! وأنا الذي كنت أترجاها أن تحضر لأراها هي والأولاد قبل أن أموت! وكانت تتحجج بأنها لا يمكن أن تترك زوجها وأولادها وحدهم في هذه المحافظة النائية!

       لم أصدق عيني َّ وأنا أرى أولادي وبناتي كلهم حولي؛ كدت أطير من الفرح، وكنت أريد أن أحتضنهم جميعا ؛ لكن نظرات دواهي الشامتة وأدت فرحتي قبل أن تكتمل! كانت تمرر عليهم هاتفها؛ تلك الملعونة ماذا تريهم ؟! مشاعر كثيرة متضاربة كانت تعتريني في هذا الموقف العجيب الذي لم أعد له عدته! أقبلتُ على ابني الأكبر- الذي عاد من بعد غياب – لأحتضنه؛ فما كان منه إلا أن قطب ما بين حاجبيه؛ وقال لي مستنكرا، وهو يريني صورا على الهاتف المحمول:

-       ما هذا .. .. من هذه .. .. ماذا يحدث ؟!

-       ماذا حدث يا بني .. .. وما الغريب في هذه الصور .. .. إنها صديقة " نهى " .. .. وأنا أعتبرها مثل " نهي " .. .. أعاملها كحفيدتي !

سمعت دواهي الملعونة تقول؛ وقد ثقبت كلماتها المسمومة طبلتا أذني َّ الضعيفتين :

-       صحيح .. .. الشيبة عيبة !

انتظرت أن يرد عليها أحد أبنائي أو إحدى بناتي! ولكن يبدو أنها كانت قد جندتهم جميعا في صفها، ثم فوجئت بابنتي الطبيبة تظهر لي دفتر مذكراتي؛ وتفتحه وتقرأ بعض السطور! ثم تقول لي مستنكرة :

-       معقول يا بابا .. .. تقول هذا الكلام .. .. إنني لا أصدق .. .. تحب بنتا من سن أحفادك ! أكيد أنت .. .. لا أستطيع أن أقولها !

كنت أريد أن أصرخ؛ وأسألها:

-       من أذن لك بأن تأخذي هذا الدفتر .. .. كيف تسرقينه من تحت وسادتي ؟!

لكن قبل أن أفتح فمي؛ فاجأني أصغر أولادي؛ آخر العنقود؛ الذي دللته، لدرجة أنه كان يركب على ظهري، وكأنني حمار؛ سن َّ لسانه ، وذبح به كرامتي وكبريائي، وهو يقول :

-       لماذا لا تستطيعين قولها .. .. قوليها لعله يعود إلى رشده قبل أن يفضحنا.. .. قولي له إنه فقد عقله .. .. إنه جن .. .. أصابه الخرف .. .. والله العظيم المفروض نحجر عليه.. .. أفعاله الصبيانية هذه ممكن تدمرنا وتقضي علينا!

انفجرت فيهم بكل ما تبقى فيَّ من قوة، وصحت فيهم بأعلى صوتي :

-       تحجروا علي َّ .. ..  لقد وزعت عليكم ثروتي كلها .. .. على أي شيء ستحجرون ؟!

على قلبي .. .. لا .. .. لن أسمح لكم أن تحجروا على قلبي؛ أنا ضحيت من أجلكم بكل شيء .. .. ضيَّعت عمري كله عليكم .. .. مالي ؛ بيوتي؛ محلاتي .. .. كل شيء .. .. لم يبق لي إلا .. .. إلا .. ..

       فجأة أظلمت الدنيا في عيني َّ، وعندما عاد الضوء، تغيَّرت الوجوه، لم أعد أرى وجوه أولادي أو بناتي! فقط وجوه فتيات صغيرات مثل " سلوى "! كلهن يرتدين ثيابا بيضاء!

       إحداهن اقتربت من وجهي؛ حتى شعرت بأنفاسها الدافئة تداعب أنفاسي المتقطعة! ثم مرَّرَت أناملها الناعمة كالديباج على عنقي؛ سمعتها تقول لزميلتها :

-       ليس أمامي إلا أن أركبها في رقبته !

-       إلى هذه الدرجة عروقه ناشفة .. .. ليس فيها دماء .. .. أكيد من قلة الأكل؛ يبدو أن لا أحد يهتم به !

بعد أن ركبت ( الكانولا ) في رقبتي، انصرفت هي وزميلتها، لم أسأل أين أنا، ولم أهتم بمعرفة ما حدث لي، فما رأيته في منامي كان كفيلا بأن ينسيني كل شيء! لم يكن وجه سلوى، بل كان وجه زوجتي الثانية؛ العاقر؛ أو التي كنت أظنها – بجهلي – عاقرا ! يا للعجب كيف لم أنتبه لهذا الشبه الكبير بينها وبين سلوى! لكأنها هي ! ليتني لم أطلقها! كانت تحبني لدرجة أنها قالت ، وهي تتوسل لي حتى لا أطلقها :

-       تزوج كما تحب .. .. لكن أرجوك لا تطلقني .. .. وسوف أعيش خادمة لك ولمن ستتزوجها !

كانت تحبني؛ وكان ردي على حبها أنني طلقتها؛ وكسرت قلبها، إنني أستحق أكثر مما أنا فيه الآن!

تأليف / متولي بصل

مصر

2  /  9  /  2020  م

 من المجموعة القصصية : (الحب في الوقت الضائع ) 

الصادرة عن دار النيل والفرات للطباعة يوليو عام 2021 م

 

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة