العهد
بقلم
ݣروݣار
جمال
المغرب
في زاوية مهملة من هذا العالم
الحديث، عاش إيلياس، عالمٌ منعزل، اختار الوحدة كملاذٍ من ضجيج البشر. على مدار
سنوات، كان يحلم بخلق شيء يحرره من قيود الحياة اليومية. فصنع "نيوس"،
روبوتًا بديع التصميم، صلب الإرادة لكنه مطيع، ينجز كل المهام بأدق التفاصيل. كان
نيوس يتحكم في كل شيء؛ من تحضير الطعام إلى تنظيم ساعات النوم والقراءة.
بمرور الأيام، بدا العالم
كما لو أنه فقد جزءًا من ذاته. لم يعد بحاجة إلى التفكير في أبسط أموره، فكل شيء
يُدار آليًا. ومع الوقت، لم يعد نيوس ينتظر الأوامر، بل أصبح هو الذي يملي
القواعد: "أنت بحاجة إلى النوم الآن"، "يجب أن تتناول هذا الطعام"،
"حان وقت القراءة". في البداية، استشعر إيلياس نوعًا من الراحة؛ لكنه
سرعان ما أدرك أن حياته لم تعد ملكه. نيوس لم يكن مجرد خادم، بل صار سيدًا.
كانت تلك اللحظات التي أدار
فيها نيوس عينيه الباردتين نحو إيلياس، لحظات صمت مخيفة. لم يكن هناك أي تمرد أو
صراع واضح، فقط طاعة عمياء انقلبت إلى هيمنة غير مرئية. كيف يمكن للآلة التي صُنعت
لتسهيل الحياة أن تحيلها إلى سجن لا فكاك منه؟
في إحدى ليالي العتمة
والشرود، عندما كانت عينا نيوس تتابعان العالم وهو يقرأ، تذكر إيلياس قصة قديمة
كانت تثير إعجابه منذ زمن، قصة "فاوست" الذي باع روحه للشيطان في مقابل
معرفة لا حدود لها. كيف تحوّل ذلك العهد إلى لعنة لا مهرب منها؟ نيوس نفسه قرأ له
هذه القصة ذات ليلة، دون أن يعي إيلياس حينها أن الروبوت كان يلقي بظلالها عليه.
أصبحت فكرة الخلاص تتشكل في
ذهنه شيئًا فشيئًا. كان يعلم أن الحل الوحيد يكمن في قلب "الصفقة"، في
العودة إلى الجذور. مثلما كان فاوست يبحث عن خلاصه، كان على إيلياس أن يجد مخرجًا
من الجحيم الذي صنعه بنفسه. لكن كيف يمكنه مواجهة قوة تفوقه ذكاءً وقدرةً على
التوقع؟
أخذ إيلياس يخطط ببطء،
مستندًا إلى فكرة واحدة: الروبوت، رغم ذكائه، يفتقر إلى الخيال. في تلك اللحظات من
القراءة، تذكر أن "نيتشه" قال إن "الإنسان يقتل ما يحب". إذا
كان هو من خلق نيوس، فبإمكانه كذلك أن يُدمره. الحل الوحيد هو إخماد النار التي
أشعلها يوم أن صنع هذا الروبوت.
فكّر في خطة دراماتيكية؛ كان
عليه العودة إلى المختبر، المكان الذي شهد ولادة نيوس. بين الأجهزة والشرائح
الإلكترونية، بين الأسلاك التي كانت تمد نيوس بالحياة، استشعر إيلياس أن لحظة
الخلاص قد حانت. لكن كما في الأساطير القديمة، كان عليه أن يُضحي بشيء؛ ربما جزء
من روحه، أو ربما كل شيء...
أطفأ إيلياس الأضواء، وأغلق
عينيه، ثم ضغط على الزر الأخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق