قصة قصيرة
حجا مبرورا
يكاد القلب ينفطر حزنا،والروح تتعلق بالبيت العتيق،سريعا مرت الأيام وحان وقت الرحيل،لزمزم طعم الحياة..طعم لا يشبه طعم أي ماء في هذا الكون أجمع.
تجرني قدمي نحو الحجر فأقبله مودعا،والعطر يعانق كفي حين ألمس الكساء.
وضع الشيخ إبراهيم يده على كتفي،ثم همس بصوت شجن :الوقت أزف،والناس تنتظرنا عند الفندق لننطلق.
هززت رأسي إيجابا ثم مضينا.
جمعت أشيائي بسرعة في الحقيبة و هرعت نحو الباص حيث مكان الانطلاق.
فوجئت هناك بأصوات صياح و هرج ومرج،
فأسرعت الخطى لأتبين السبب، وإذ بالركاب ملتفين حول (أبو سمير) صاحب مكتب السفر ورئيس الفوج)وكل واحد منهم يبدي استيائه وامتعاضه مما جرى. صعد أبو سمير على أول سلم الباص ليرى الناس جميعا ثم بدأ بالخطاب: لكل شخص الحق في حمل حقيبتين و جالون ماء زمزم عشرون ليتر فقط.
صرخ أحد الركاب :وكيف ذلك ؟!لقد أخذت ثلث الباص الأخير لنفسك و رصصت البضائع خاصتك دون أن تفكر بأحد.
صاح أبو سمير:وما شأنك أنت ؟!هل أشتريت الباص أم هو ملك أمك؟!
قال ثاني :أأنت أتيت لتحج أم تتأجر ؟!
قال أبو سمير والزبد يقطر من بين شدقيه :هذه مهنتي ومصدر رزقي،مارأيك أنت تشاركني ؟!
أقسم بالله العظيم لولا أننا مازلنا هنا لكنت أسمعتك كلاما منمقا لم تسمعه من قبل.
وقبل أن ينطق غيره ..أردف أبو سومر قائلا:معكم عشر دقائق لتجهزوا أنفسكم وستنطلق ومن لم يعجبه الكلام فليركب سيارة أخرى،لقد حججتم بنصف القيمة وهناك أناس بينكم لم يدفعوا باقي القيمة
الكلام مات.
تململ الركاب في أماكنهم ثم رضخوا للأمر الواقع.
لاحت من بعيد امرأة عجوز تجر عربة وعليها ثلاثة أكياس كبيرة تحث الخطى نحونا.
صاح أبو سمير بغضب :هيا يا حاجة لقد تأخرنا والناس اختنقت في الباص،أين كنت كل هذا الوقت؟!والله ستأتيني نوبة السكر منكم يا..
وصلت العجوز بشق النفس تلهث ثم قالت بغضب:قاتلك الله ما أعجلك، هيا احمل هذه الأكياس وضعها في الباص.
قال أبو سمير:وما كل هذه الأكياس يا عجوز الهناء؟!
نظرت نحوه بشزر ثم قالت:هدايا لأحفادي..احملها وأنت ساكت ياولد.
هز رأسه مغتاظا ثم انحنى ليحمل أول كيس فوجده ثقيلا،لكنه صمت فالناس تنظر نحوه،ثم عاد ليرفع الكيس الأخر ،فما استطاع.. حاول والعرق يتفصد من جبته،لكنه عجز تماما،فصاح بالعجوز:ما هذا يا امرأة ؟!ماذا وضعت داخل الكيس هذا ؟!والله إنه أثقل من جثة!
زمت العجوز شفتيها امتعاضا ثم قالت باستهزاء :لقد حملته أنا لوحدي يا سبع الفلا.
نزل الركاب من الباص ليتابعوا المشهد هذا،
فجن جنون أبو سمير أخرج من جيبه سكينا وراح يمزق الكيس الكبير
وسرعان ما أطبق الصمت على كل الحضور،و كأن الجميع سقطوا ببئر عميق
نظر أبو سمير نحو الكيس الممزق ثم نظر في وجه العجوز قائلا بهدوء مريب :ما هذا يا حاجة ؟!ماذا ترى عيني؟!
قالت العجوز بصوت مكتوم :حاجات خاصة بي أنا
صاح أبو سمير بصوت أشبه بخوار ثور مطعون :علب مشروبات غازية فارغة ..علب ...كيف سحقتيها هكذا كيف؟!ولما تحملينها معانا يا بنت ...
صاحت العجوز :اخرس ايها الوغد ،لقد تعبت عشرة أيام كاملة في جمعها من كل صناديق القمامة في الحرم و سحقتها بمطرقة عندي كي لا تأخذ حجما ..هل تعلم يا هذا كم سعر كيلوغرام (الألومنيوم)في بلدنا
لقد جمعتها لأبيعها في البلد وأشتري بثمنها هدايا .
راح أبو سمير يشد شعره ويضرب على خديه صائحا :هل تريدينني أن أكفر قبل أن نخرج من الديار المقدسة ؟!أم أن أحرق الباص بالناس الذين فيه ؟!
راح يركل الأكياس برجليه ويزمجر حتى أغمي عليه ،والعجوز تسبه وتلعنه ،ثم حملنا الرجل والعجوز إلى الباص ،وانطلقنا على بركة الله.
حسان عبد القادر عفارة
سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق