Translate

هل أنت فلسطيني؟ للكاتب الليبي / عاشور أحمد

 


هل أنت فلسطيني؟

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يودع فيها أمه من أجل المضي قدمًا للقتال..وكلما عاد بكثير من الجروح تعانقه وتمسح عن وجهه أثار غبش المعارك التي خاضها، تخاطبه بشوق:
الحمدلله أنك رجعت سالمًا.
يجيب بابتسامة منكسرة
- هذه المرة يا أمي
تمسد رأسه وتحاصر وجهه بكفيها و تمسح أطرافه بعينها الكليلتين..
يكفيني أن أراك هذه المرة..
استقامتْ من انحناءتِها بعد أن فكَّت حِزامه وخلعت سترته الممزقة وأخذتْ تُعيد فك أطرافها المُتهلهلة..تمدد إلى جوارها..أسند تعبه على خصرها وغفا..فتحتْ عُلبة معدنية..سحبتْ إبرةً..بلَّلتْ رأسَ الخيط بوضعه بين شفتيها..سددت النظر إلى الخرم الصغير..بعد كثيرٍ من المحاولات.. نجحتْ في إدخاله.
قطع اغفاءته، تأمَّلها..طبعَ قبلةً على جبينها، أمسكََ برأسها بين يديه، دمعة منه شعرتْ بدفئِها على صفحة خدِّها المُتعرج، مسحتها وقالتْ بصوت مُتهدج:
- لم لا تستعجل المُغادرة..؟
- قد لا أرجع يا أمي.
- لن تذهبَ كُلُّك، فثوبك معي..
جذبته نحوها، تحسستْ رقبته وظهره، ثم همستْ:
- لا تنسَ(كوفيتك).
-ستبقين وحدك.
- الأهم ألا تبقى أنت وحدك.
عانقها بقوة..استدار حتى لا ترى بُكاءه..
حملَ بندقيته وتوارى خلف أكوام الدخان الكثيف.
يعيدُ مُجاهد شحنَ بندقيته استعدادًا للمعركة القادمة، ينظر إلى رفيقه الذي تبدو على ملاحمه دائمًا ابتسامة تعاند الموت المتربص ويهمس:
- أترى أننا سننتصر..؟
- لا أشك في ذلك.
ما يؤلمني حقًا أنني قد لا أتحسسه بنفسي
- أنت تشعر به الآن.
- وكيف، والموت يلتهم الأطفال وراءنا..؟
- الأهم أنك تقاوم.
- إلى متى..؟
- إلى أن تنتصر
سكنَ مُجاهد لحظه، أخذَ يتأمل رفيقه، وكأنه يراه لأول مرة، وقفزتْ إلى ذهنه تساؤلات عدة:
- هل أنت فلسطيني؟
- نعم
- هل أنت عربي..؟
- لا أهتم
-هل أنت مسلم..؟
أنا مؤمن
صمتَ مُجاهد قليلًا، يعلو جبينه ما يدل على الرضى عما يقول شريكه في خندق المواجهة.
استطرد الرفيق وهو يستعجل الحديث:
- عاش أبي معظم حياته في القدس، يحاول دائمًا الدفاع عن سرقة أشجار الزيتون، وها أنا الآن أحاول استرجاعها.
قبل أن يخرجا للتصدي لهجومٍ وشيك التفتَ الرفيق إلى مُجاهد وقال:
- لمَ تسألني الآن، هل لها قيمة هنا في هذا الخندق
- لا أدرى، ربما لم يكن لها قيمة من قبل
تعانقا واندفعا مع اقتراب دوي المدافع، ولوَّح الرفيق لمجاهد صارخًا:
- لا تلقي بالًا..فهؤلاء لا يفرقون
لم تهدأ الطائرات المُغيرة عن إنزال حممها على الأحياء، وعن خطف أرواح بريئة لم تدرك بعد مبررات شناعة ما يحدث.
انفجارٌ قوي يهزُّ المكان..يتماهى دويه مع الصُراخ
ورائحة الدم المتسللة عبر شقوق البيت الكثيرة، يبحث عنها الرفيق وسط الركام، ينادي بأعلى صوته:
أم مجاهد، رغم أن لا شيء يتنفسُ بالجوار، استطاع أخيرّا أن يميزها عن لون جدار تتكيء عليه في آخر رواق المنزل الذي انهار نصفه..احتبى أمامها، سحب يدها إليه، مال جسدها، وقعت في حضنه وتوقفت يداها عند آخر غرزة في رتْقِ كُم الثوب الُممزق..ارْتداه.. حملها على ظهره وعمدَ جهة الشرق حيث الجبل المُطل على المدينة ينتظر طلوع الشمس..أسلمها للتُراب برفقة كوفية ابنها المضمخة برائحة اللون الأحمر..
عاشور أحمد
ليبيا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة