يوم التبجيل
صحوت باكراً وقلبي عامراً بالفرح...
ذلك المكان الذي سمعت عنه الكثير و تمنيته بشوقٍ كبير
لمَ سمعته من شقيقاي عنه.
تخيلت الصفوف والمقاعد والمعلمين وحتى أصدقائي
لعبت معهم كثيراً الغميضة و بالكرة في ساحة المدرسة.
كم ضحكت على الطرائف التي يروونها إخوتي وفرحت لعلاماتهم الممتازة وتوترت معهم أيام الامتحان.
حب كبير وشوق أكبر لأصير تلميذاً في المدرسة.
ألبستني أمي أجمل الثياب وسرحت شعري الخرنوبي الناعم المنسدل على جبيني الأبيض العريض.
عطرتني وأعطتني ورقةً نقديّة من فئة الخمس ليرات
كان لونها أخضر جميل، جديدة صوت طقطقتها أطربني شعرت بالنصر حصلت على تلك الورقة وأخيراً..
ياااه.. أحلامي باتت تتحقق يا له من يومٍ عظيم.
وماهذا..؟ عروسة لبنة و مطرة ماءٍ أنيقة عليها رسومات كرتونية أنا في حُلم أم أني في الجنة.
قبلتنا والدتي و ودعتنا بعدما شددت على أخوي أن يعتنيا بي ولا يفلتان يدي حتى أجلس في مقعدي.
كانت خطواتي أكبر وأسرع من خُطى شقيقاي
أسابق الريح سأدخل المجد من أبوابه العريضة.
وقفت أمام البوابة الحديدية الكبيرة بذهول.
ما أكبرها وما أجمل هذا المبنى..!
نوافذ كبيرة وحديقة بورودٍ وأشجار.
دخلت بحماس وكما أوصتهما أمي وضعوني في مقعدٍ خشبيٍ يتوسط غرفةٍ كبيرة مليئة بالمقاعد نبها عليّ أن لا أخرج حتى يأتيا ويصطحباني بنفسهما.
وما إن غابا وراء الباب حتى أخذت دموعي تنهمر كمطر آذار ٍ بغزارة وقوة لا أعرف ما أفعل الأطفال يقفزون على المقاعد حولي، ضجيجهم وصخبهم أرعبني.
أهكذا يلعبون هؤلاء الأولاد هنا إنهم ليسوا كأصدقاء إخوتي، طبعاً أكيد إنهم قردة متعفرتين.
قُرع الجرس كلٌّ أخذ مكانه وجلس، فُتح باب الصف دخلت المُنقذة ليعم الهدوء على المكان ، حيّتنا برقةٍ
صعدت المنصة، كتبت على السبورة الخضراء تاريخ اليوم بخطٍ جميل وزركشته بطباشير مختلفة الأولوان.
ثم سألتنا عن أسماءنا و عرفتنا بإسمها.
مضى اليوم الأول على خيرٍ.. وكذلك الثاني والثالث والأسبوع الأول والثاني والثالث والشهر الأول والثاني والثالث كنت مجتهداً نشيطاً نبيهاً ذكيّاً لبقاً وهادئ. الحادي والعشرون من آذار..؟
التلاميذ مرتبون نظيفون معطرون تملؤهم الفرحة كيومِ عيد يحملون أكياساً بأحجامٍ مختلفة يسألون بعضهم ما الهدية التي أحضرتها لمعلمتنا..؟
عيد المعلم..!؟
لم أسمع أخوتي يتحدثون عن هذا اليوم من قبل.
ولم تشترِ أمي الهدايا وترسلها معهم قط.
ماذا أفعل..؟ أين أذهب..؟
ها هي تدخل وتلقي تحيتها برقةٍ تجعل قلبي يرفرف.
ما أجملها وكأنها عروسٌ أتت في الحال من صالون التجميل وقد سكبت قارورة العطر كلها عليها.
جلست مكانها وبدأ الطلاب يتوافدون إليها بانتظامٍ
يهنؤنها بعيدها يصافحونها ويقبلونها ويقدمون الهدايا.
كانت لطيفةً جداً كملاكٍ جميل تمحس على رؤوسهم وتشكرهم وتقبلهم بحبٍ وحنان.
وأنا محتارٌ ماذا أصنع أين أختبئ كيف أهرب..؟
كتبت على ورقةٍ قطفتها من دفتري بخطٍ حاولت أن أجمّله وأرتبه وأزركشه عبارة" عيد سعيد معلمتي الغالية"
رسمت قلباً يخترقه سهمٌ في أوله اسمها ذللته باسمي.
صعدت متردداً خائفاً مددتُ يدي المرتعشة أقدم بذلٍّ ومهان هديتي وبصوتٍ متهدجٍ هنئتها.
قبضت عليها، دستها في جيبها دون أن تفتحها لم تمسح على رأسي وتقبلني لم تصافحني حتى.
عاهدت نفسي أن أصير معلماً وأعفي الطلّاب من إحضار الهدايا ولن أقبل شيئاً من أيّ تلميذٍ مهما كانت الحُجة.
وصرت أتغيب كلّ عامٍ عن المدرسة في يوم التبجيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق