بدا المكان على اتساعه ضيقاً على أحلامها الزهرية، هل تتخذ من ذاك المكان مكاناً لكتابتها؟
بين ذراعين ضيقين تفتح الأبواب لعوالم لا تنتهي، تنغمس إحداها في الحنين واللهفة، تبحث عن مأوى لكتابة قصتها. هل تجعل من المكان محطة لأحلامها الزهرية، أم تختار نافذة تطل على الشارع كمنضدة لكتابة حياتها؟!
تسربت خيوط الذكرى بينما كانت تسرح بخيالها، لتجد نفسها محاصرة بين هدوء اللحظة وضجة ذاكرتها وقد عادت إلى ظل كان يسبقها بصمت كاد يفضحها، ويكسر وجع مآقيها. تستعد للكتابة، ولكن لمن؟ للحب؟ للحرب؟ أم للشتات؟ بينما تنسج كلماتها، يعترضها شراك كلمات تفتقدها وتنسى في طيات رسائلها.
قالت سأكتب بحرفية كعاشقة للكتابة، عن الحب الذي أثثت له على أوجه أوراقها. هناك، شرع يتصيدها، على قارعة كلماتها، كم من رسالة كتبت، ونسيت بعضاً من حروفه... في آخر رسالتها كتبت له:
"مررنا من هنا، كانت الشوارع خالية إلا من وقع أقدام الحنين وطرقات قلب تائه. كادت الشوارع تسمعه، المطر زائر مفاجئ محبب، بحجته لذنا تحت سقيفة في زاوية، بصمت تعاهدنا".
لا، بل، صممت، وداخلها يلتهب، أن تكتب بزخم أفكار كاتبة عن لصوص تكالبوا عليها، اختلاس دفء من حضن وطن كان لها. ستكتب بحروف من وجع، عن قلوب جمّدها الصقيع، يتراقص فيها صراخ الهشيم.
ها هي تخط كلماتها التي استقرّت داخل القلب، وتمنت ذاك الصباح ألا ينتهي..
تمهل أيها الصباح، فما زالت الشمس في خدرها تعانق أحلامها، ترسم بياض يومها بابتسامتها العريضة...
خجلى هي من كلمة 'انتظري".
ستجمع زاد محبتها وتقول: "وكأني أنتظر رجلاً لن يأتي، وما زال المقعد الفارغ بانتظاره. بجنون هاربة تتمرد اللحظات، تتطاول خلسة، يزحمني الوقت، وأعد الثواني، فاغرة شفاه الوقت، شامتة بترددي وخوفي.
ها أنا أخط لك رسالتي ممهورة بحبر النبض، متوسمة بشغف اللهفة أن نتقاسم فنجان قهوة في مقهى يضج بصخب الانتظار، وسحب الدخان تلف ذاك المكان، لا أحب أن نلتقي تحت المطر، تعانق صمتي في ليل الضجر، وتزيح غيمات الصمت عن حرفي بلا خجل.
نسيت أن أخبرك بأن ليلتي البيضاء بدا يعتريها السواد، أهو الفقد؟ أم أن الروح صارت من عداد الأموات؟
قبل أن أختم رسالتي، هناك شيء لم تعرفه من قبل، ما زلت أنا التي تركت لها يوماً ياسمينة بيضاء على ذاك المقعد.
لا تغرق نفسك في التفكير، فأبواب القلب لم توصد بعد، ورياح الحنين تحرّك سكون القلب، لا تتأخر، فصوتك العاجي يخنق احتراقاتي، أسألك: ترى كم من غربة نحتاج كي نلتقي؟ وكم من جغرافية يجب أن نلغيها كي نكون معا؟
كلمة أخيرة:
ألا رحمةً بقلب لم يعرف سوى المسافات."
وفي ختام رسالتها، تكشف عن ليلة بيضاء مليئة بالسواد، تسأل عن الفقد وتكتب بحبر النبض.
بخطى وئيدة كانت تذرع المكان ذهاباً وجيئة والقلب في انشغال. انتظرت كلمة تعيد لها ذاك التوازن الذي فقدته.
جاء الرد متأخراً كعادته، سقطت مغشية عليها تاركة الحرف والكلمة يتعلقان في مشنقة اللقاء المفقود.
سمية جمعة
سو رية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق