لوحة
للكاتب السوري
أحمد الواجد
استوعبت ابتسامته الغامضة كما تستوعب البيارات ليمونها وبرتقالها وأترجّها، أكملت رقصتي حتى النهاية ضجّ المسرح بعدها بالهتاف الوطني والتصفيق، تعالت الصّيحات.. همس لي وأنا على خشبة المسرح ( البارودة هي الحل ياخالد ، وما تفعله مجرد حكاية لا أكثر ولا أقل ) .. وقع ما وقع منها في قلبي وتركت الرّد لحينه،
لو لم يكن ابن عمي وزميلي في المدرسة لحسبته هازئاً قد خلا من صفائه الداخلي الذي عرفته..
تملكني ذلك النضج وأنا على منصة التّتويج.. حين تذكرت والدي الذي قضى في قصف العدو لقريتنا ، وسنوات النزوح خارج الوطن وداخله .. دافعاً بمبلغ الجائزة الرمزي إلى منظمة إغاثة اللاجئين ..
- مع ذلك تبقى البارودة هي الحل..
رابتاً على كتفي هذه المرة.. واثقاً بنفسه .. ودون تردّد احتضنته ومايقول في غمرة ذلك النضج الذي انتابني وقتها.
لم يمهلنا الواقع كثيراً .. كان مغايراً ، وبدون سابق إنذار .. سماء ملوثة بأزيز الطائرات ودخانها، تتداخل مع أسراب الطيور المفجوعة بما يحدث ، يختلط الحابل بالنابل، لوحةٌ رمادية ترتسم أمام عينيّ مرة أخرى.. لكن بعمرٍ آخر.. حضرت لها ما حضرت.
أينما التفتّ وجدت ابن عمي بجانبي ..وجمع من أصدقاء الثانوية .. في خندق واحد، ندفع تلك الألوان القاتمة مااستطعنا ، لكن هذه المرة على مسرح الحياة، وبأرياش من المعدن ، يصفها ابن عمي بأنها البارودة التي كان يحدثني عنها.. وأنا أصرّ بأنها ريشة نلون بها السماء ونزيل أثر السواد ، ونستبدل الدبابات والطائرات بالزيتون والطيور .
ماإن اخضرّت اللوحة حتى ألقيت بريشتي جانباً، وحملت بكفي صبغة حمراء مقدسة .. أزيل بها مابقي من درك الرّمادية ، وأنا أرقص للحرية على صرخات..
- انتبه.. إنها دبابة يا خالد ...
لكن لابد للّوحة أن تكتمل مع آخر قطرة من دمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق