من سورية الحبيبة ،كاتب ينتقي كلماته
ويحسن إستخدام أدواته ،رأى في الحداثة منهجا يضع فيه إبداعه ،فنسج
القصة القصيرة بإبداع عصري.
رؤية نقدية لقصة قصيرة بعنوان/
نحن هم وهم نحن.. للكاتب أحمد الجميل/ سوريا
(نحنُ هم وهم نحن): القصة
ما الذي جاء بك إلى هنا ..
ألست أنت ممن دعوا لتمرد النثر على النظم!؟
ثم أنك طعنت بنا وبأهل عصرنا ؟
وتطاولت على رموزنا وكبرائنا ثم تأتي تسألنا بحق العرب والضاد؟
-وهذي أكبر واجرأ جرائمك-
مهلا
أعتذر لكم ..
جئتكم من زمن التكنولوجيا زمن السرعة ، الوجبات السريعة الثياب الأنيقة والسيارات الفارهة التطور العمراني حتى الشحاذ يرتدي أفضل من لباس سيدكم -ما كدت انتهي مما قلت فإذا برجل ضخم كبير الرأس طويل القامة يمسكني من عنقي قائلا :تأدب يا قزم!-
العفو لقد خانني التعبير وها أنا أعتذر
لقد جئتكم من ..
قف عن التكلم إننا نعد كثير الثرثرة من أهل النفاق !
أعتذر
لا تكثر الإعتذار التافه وهات ما عندك ألا تشعرون بالملالة وأنتم تتشدقون بالكلام الفارغ !؟
إذن سأحدثكم
اتيت إلى هنا زاحفا ما عدت أستطع حمل نفسي من شدة المتاعب والمشاق ..
إننا وفي سباقنا مع الزمن خسرنا الكثير والكثير حتى أننا كدنا نسبق جاهليتكم !!
-لقد غيرنا سلبياتكم بأشد سلبية ثم رحنا نضحك من جهلكم وكأننا أحسن حالا-
من أخبركم أنه لا توأد البنات في عصرنا ؟
ها نحن ندفنهن وهن على قيد الحياة !
-أحد زملائي طلق زوجته لأنها أنجبت له بنتا ثالثة، فتزوجها آخر، تربوا بناته وعلى قيد حياته في بيت أخيه، مع مرور الوقت تعدى أحد أبناء أخيه على أبنت عمه وأجبرها على الرذيلة ومارس مرات ومرات من أجل رغيف خبز-
أليس هذا أشد من دفنهن أحياء!؟
أنظر إلى هذه الخيمة ...
بحجمها تماما ، حجم سلة القمامة المثبتة عند كل حي يرم الأغنياء طعامهم وبعض الأثاث،ثم يموت خلقا كثير بسبب الجوع !
والشتاء الفائت قَتل ضميرنا-قبل البرد-أكثر من عشرة أطفال!
ثم أنكم أظهرتم ظنكم وأعتقادكم بالحجارة الضخمة وقدستموها فوضعتوها عند الكعبة!!
وها نحن معنا من نقتل ونسرق ونسلب ونبطش ونزوّر ندمر ونحرّق من أجله وباسمه -مددت يدي وأخرجت من جيبي50$-
صرخ بصوت مرتفع
امسكوه وأضربوا عنقه لقد أستهزء بآلهتنا هذا الغبي وشبهها بورقة يقدر على تمزيقها الرضيع وتضع بثيابهم المهترئة ..!
مسكني -بمجمع ثيابي- أحد عبيدهم وما كان مني إلا الصراخ والبكاء، ثم ألقى بي عند صنم كبير، وهو يردد قائلا:
بسم الآلهة، تعلو الآلهة
وما أن أراد أن يضرب عنقي استيقظت على صوت طفل وهو يبكي يصرخ قائلا: والله جائع وإني يتيم
فززت من فراشي متجها نحو شرفة المنزل، فإذا بأحد الأغنياء يشتمه ويخبره أنه يدرك تماما أنه يكذب
ثم صفعه على خده وركله على مؤخرته
-وكأن صفع الحياة وحدها لا تكفيه-
عندها وددت اني ما أستيقظت أبدا.
أحمد الجميل- سورية
(الرأي)
بداية من العنوان المحير بتكرار الضمير (هم) ،والضمير (نحن).
مع استبدال المكان فقط
هم نحن
ونحن هم
نستطيع توصيل المتشابهان فنصنع علامة الضرب × بما يفيد التقاطع ..!
من هم ؟!
لماذا يتشابهون معنا
المنهج الحديث في الكتابة القصصية
يعني بهذا الطرح ،وقد برع الكاتب
في إدخالنا في الحدث بطريقة مدهشة
(الإستهلال)
نشعر منذ الوهلة الأولى بتلاشي عنصر الزمان وعنصر المكان ولكننا نشعر بوجودهما في موقع ما ..!
جملة البداية بصيغة المخاطب بما يشي
بزمن الحاضر كما نعلم طبقا للمنهج التقليدي :
ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
ألست من أنت هنا المخاطب مفرد
ممن دعوا
فهو جزء من كل
لتمرد النثر على النظم
التمرد هو الخروج على القاعدة ، والمتمرد يشذ عن المجموع
النثر بلا قواعد والنظم طبقا لقواعد صارمة ..!
هو مقارعة بين التحرر من القواعد
والدعوة لحرية الكتابة .
تأتي كلمة عصرنا لتجعلنا نتوقف؛ فالعصر هو سالف زمن بعيد ينفصل عن الحاضر ويبتعد عنه كثيرا بحيث يستحيل التلاقي بين من عاشوا فيه مع من يعيشون الحاضر .
هنا نلمح دمج الماضي البعيد مع زمن الحاضر ،وتأتي الأفعال في زمن المضارع يالا الروعة ..!
يتجادلان رغم البعد الزمني ،ويجمعهما
نفس القضية بتفاصيلها .
الجملة الأولى فيها السؤال من أهل الماضي البعيد لأحد من تمردوا على الشعر المقفى ونادوا بالحداثة فجعلوا النثر شعرا وسموه حرا ..!
المخاطب تحول إلى متكلم وخاطب أصحاب العصر البعيد:
جئتكم من زمن التكنولوجيا (حاضر)
وهم مانسميهم بزمن العصر الجاهلي(الماضي البعيد).
هنا نلمح تلاشي عنصر الزمن ودمج
العصرين معا لتصبح أداة التخاطب
منطقية ..!
ويدور الحوار بحيوية وكأن اللغة هي الأخرى أصبحت واحدة وبدا الحوار
كأنه واقع وتعلو وتيرته للحد الذي ينذر
بشجار لايحمد عقباه:
تأدب أيها القزم ،هنا يطرح الكاتب متغير
حدث بالفعل طبقا للعديد من الأبحاث بتقزم البشر عن طولهم في سالف العصر
ويستمر كاتبنا في وصف كلا العصرين ،
ويستحضر أهل كل عصر ويضعهم في مواجهة حامية الوطيس .
تلاشى أيضا عنصر المكان فبدا يجمعهم
مكان واحد ..!
هنا نلتفت لهذا التحديث الذي إنتهجه الكاتب عن نمط تعودنا عليه في تحديد كل من الزمان والمكان كعناصر أساسية في النمط التقليدي للقصة .
عنصر آخر يخص السارد فمنذ بداية القراءة نجد الحوار بين شخوص النص
وعلى لسانهم بصيغة التخاطب مما يظهر إختفاء الراوي بأنواعه ..!
ويصبح الزمان والمكان مع الاشخاص مشكلين الأحداث وجزء منها ، وملمح آخر ندركه ويخص وحدة الحدث حيث
دمج أحداث العصر في زمن الماضي البعيد كصفة لهذا العصر ومقارنتها بنفس الدمج للعصر الحاضر .
بمهارة فائقة وجدنا العصرين بكل تفاصيلهما وجها لوجه ،والمقارنة لا تظهر فروقا مع التطابق التام رغم إختلاف المسميات : ويمكن تسمية تلك العلاقات بخطوط التوازي حيث أن كل منهما يمضي في طريقه .
- عبادة الاوثان والدفاع عنها وتقديم القرابين (عصر قديم)، وفي عصرنا
الحاضر من يجعلنا نزور ونقتل ونسرق ونكذب من أجله(عصرنا الحاضر).
- واد البنات خشية العار(عصر قديم)،
الزنا بالقاصرات من اجل كسرة خبز، وتطليق الزوجة لأنها تلد البنات(عصرنا الحاضر).
(تقاطع الحدث ): وهذا مايمكن تسميته بخطوط التقاطع .
- مسكني بمجمع ثيابي وما أن أراد أن يضرب عنقي حتى استيقظت على صراخ طفل .
هنا نلمح شكلا من اشكال التحديث في
كتابة القصة حيث إختلط الواقع مع الحلم بصورة جعلتنا لا ننتبه لذلك إلا بهذا الصراخ من طفل جائع ،لنجدها قضية جديدة لم تظهر ضمن المقارنات
التي ظهرت في سياق الحوار بين أهل كلا العصرين .
ويمكن اعتبار هذا الحدث سيء أضيف
للعصر الحاضر ليتجاوز كل السوء الذي
طالما نعتنا به عصور الجاهلية ..!
(قسوة الحاضر)
بينما في عصور الجاهلية كان كرم العربي يضرب به المثل يظهر الكاتب حدثا بالغ القسوة ؛فالطفل صغيرا،ويتيما
،وجائعا ورغم ذلك صفعه الغني وركله على مؤخرته وكأن صفع الحياة وقسوتها لايكفي ..!
(عبارة ذات مدلول عميق )
جاءت العبارة على لسان الراوي الذي يمثل زمن الحاضر بعد ان استيقظ من نومه وشهد الواقع المرير
ليتني لم أستيقظ أبدا
وهنا تظهر مقارنة جديدة في صالح عصور الجاهلية وضد عصرنا الحاضر
وكأن التكنولوجيا والتطور المذهل جلبا
أسوأ العصور ..!
(تعقيب)
النص يتناول القصة من منظور الحداثة
ظهرت فيه براعة الكاتب ، وبدا الحوار
مفعما بالحيوية ، وشعرنا بالمقدرة اللغوية وكل من عنصر التكثيف و عنصرالتشويق مع تصاعد الحدث ووجود عنصري الزمان والمكان ولكن بمزيج مختلف أضفى كثيرا من الروعة والإبداع .
/رؤية نقدية / عادل عبد الله تهامي السيد علي مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق