Translate

أبعاد التمييز في الفضاء الروائي نموذج رواية ( شقراء البصرة ) قراءة نقدية بقلم الأديبة والناقدة المصرية / هدى توفيق

 



                


تطرح رواية شقراء البصرة بعد الإهداء مباشرة سؤال هام يتطلب تأويل واقتراحات سردية داخل الفضاء الروائي؛ لأنه يؤدي ضرورة إبداعية هامة تتعلق بالعلاقة بين الدال والمدلول لتوجيه النص إلى فهم العوالم التي تصبح منكشفة عبر وجود كل المظاهر المتاحة وتفصح عنها في عالم ذي مغزى. لذلك ربما علينا أن نتأمل في أي سؤال يمليه الإبداع الذي يقدم أسئلته وينتظر الإجابة ،أو كما يقول دريدا في مقاله " خارج العمل "؛ التي – تتعارض بصفة خاصة مع تصور الأدب المتعارف علية:



( لماذا ينبغي على " الأدب " أن يظل يشير إلى ما ينفصل بالفعل عنه – عمَّا جرى تصوره والإشارة إليه تحت اسمه . أو عما يدمره تدميرا لا هوادة فيه ، ولا يكتفي بمجرد الروغان منه ؟).(p. 3  Dissemination).(2).

وبالتالي تلك العلاقة بين هذا السؤال ذلك اللغز الذي لابد من تفكيك شفراته وبين المدلول المختفي وراءه، هي تشبه بالضبط العلاقة بين السرد وحدثه. والسؤال هو: هل جمال المرأة نعمة أم نقمة ؟ لاشك أن الإجابة المباشرة لا تعنينا ؛ لأننا نبحث عنها في داخل هذا العمل السردي بشكل خاص ؛ فالأدب لا ينبغي أن يظل يشير إلى ما ينفصل بالفعل عنه كما أشار دريدا ، ويخالف التصور المعتاد إليه بل ويصل به إلى حد التدمير تدميرًا لا هوادة فيه . وخاصة إذا علمنا أن الإجابة على هذا السؤال المطروح: هل جمال المرأة نعمة أم نقمة ؟وراءه مأساة إنسانية كبيرة عاشتها بطلة الرواية الحقيقية الدكتورة ياسمين ناظم ، وكل من حولها بسبب جمالها الصارخ وظهر في إبداع كامل وساحر من خلق الله. وكأنها تحاكي لوحة فنية رائعة ومبهرة دون خطأ ولوسهوا. من الشعر الأشقر والعيون الزرق والبشرة البيضاء المحمرة، والتفاصيل الأخاذة والمثيرة التي تثير الدهشة والتساؤلات .

ورغم أن ناريمان يعقوب المسيحية اسمها وديانتها الحقيقية من أم وأب لبناني قتل في الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى اثره هربت الأم من جحيم الحرب مع مجموعة من اللبنانيين والعراقيين على متن طائرة عراقية أقلتهم إلى البصرة  والطفلة ناريمان ورثت نفس ملامح الأم. أي أنها في النهاية عربية من بلد شقيق في محيط الوطن العربي، وليست من بلد أوروبية مثلا لتتعرض لهذا التمييز الذي جلب العديد من الأحداث المؤسفة لها ولغيرها  في مدينة البصرة. التي بصدفة قدرية تولد فيها وتنشأ وسط أسرة عراقية ، وتنمو وتترعرع في ثقافته وعاداته وتقاليده وتتعلم وتتزوج وتنجب ، وقد تحولت من ناريمان يعقوب المسيحية إلى ياسمين ناظم المسلمة  على يد السيدة سوزان العاقر رئيسة الممرضات في قسم التوليد والنسامع وزوجها السيد ناظم الممرض في مستشفى كبير في البصرة ذوات البشرة السمراء الداكنة. التي أتساءل هل لون بشرة السيدة سوزان والسيد ناظم اللتان أصبحا والديها هما سبب كل تلك المأساة والعناء الذي عاشت فيها البطلة ياسمين ؟أم أنه قدر في كل الأحوال كانت ستعيشه، لأنها شقراء ومختلفة عن الواقع والمجتمع العراقي. وقد أقنعت الممرضة سوزان الأم الحقيقية روزلين بعد أن ولدتها تلك الطفلة الجميلة أن تتركها ترعاها وتربيها وتعطيها مبلغ كبير من المال تسافر به إلى أي بلد أوروبية مع طفليها الآخرين، وأن طفلتها أمانه لديها عندما تستقر أمور الأم في حياتها الجديدة. وافقت الأم اللبنانية وسافرت إلى أوروبا التي عرفنا بعد ذلك أنها الدنمارك. وتركت طفلتها تبدأ حياة شائكة ومريرة بسبب لونها الأشقر مع أبوين ذات بشرة سمراء داكنة.ليتحول جمال ياسمين إلى نقمة فوق تصور الجميع مما ألت إليه الأمور لبعضهم من قتل ،أوسجن ،أوخلل عقلي والكثير من الأحداث التي تفوق التصور من فرضية هذا الجمال الصارخ وتجليات أبعاد ومظاهر هذا التمييز في مدينة البصرة.وقد بدأ تأثيره عليها وعلى من حولهامنذ ولادتها والجميع يندهش من جمال هذه المولودة، وأنها توحي بأنها كائن مختلف دفع الأم سوزان تأخذ إجازة من العمل وبيع منزلها وشراء منزل جديد في مكان بعيد عن عيون الحاسدين. وغيرهم ممن يشكون في نسب هذه الطفلة الفاتنة،و كلما كبرت ياسمين تعرضت للكثير. في عمر الثالثة حاولت سيدة سرقتها من أمها في المنتزه بعد أن فتنت بجمالها وطلتها الجذابة التي أغوت السيدة لحد سرقة الطفلة حتى اكتشف أمرها ، ودخلت السجن لولعها بالطفلة ياسمين. وعندما تبدأ عمر السادسة بداية دخول المدرسة تحرج مديرة المدرسة الأم سوزان ،وتظن أنها الخادمة وتسألها عن الأم الحقيقية بسبب اختلاف لون البشرة الواضح بينهما. وتتصاعد الأحداث في حياة ياسمين في المرحلة الثانوية عندما تُعجب بها مدرسة العربي وتطلب أن تذهب لبيت  والديها لتخطبها لابنها، ولكن عندما تشاهدهما بتلك البشرة السمراء الداكنة تتفاجأ وتستغرب وتعبر عن استيائها الشديد وتنصرف غاضبة،وقد ملأها الشك من نسب عروسة المستقبل بل وتنشر تلك الشائعة في المدرسة ، وتنهار ياسمين من همسات زميلاتها والجميع أنها ربما تكون لقيطة أو تبنوها وليس معروف والديها. وتستطيع الأم سوزان أن تحتويها وتعدها أنها ستخبرها بالحقيقة بمجرد أن تنهي المرحلة الثانوية وتتفوق وتدخل كلية الطب وتنقلها لمدرسة أخرى؛ لتتجاوز رؤية الجميع وتحقق هدفها الحقيقي أن تنجح وتتفوق على الجميع. ولكن رغم جمال وقوة شخصية ياسمين وفرحتها بالالتحاق بكلية الطب كما تمنت تتوالى الأحداث في ملاحقتها في الجامعة داخل دائرة واسعة من أطياف مختلفة .وتتوالى الأحداث بشكل مأساوي وفادح الثمن لتفرض قتامة هذا التمييز المستدعي من مجرد لون البشرة والعيون الزرق والشعر الأشقر؛وتتحول تلك المجردات المادية إلى كينونة تنقل مجريات الأمور بشكل عبثي  وغريبوتلقي بالعديد من الأشخاص في أفخاخ مصيرية سيئة للغاية ، وتنهي حياتهم بكل قسوة وعنف لا مثيل له ، وتبدو كحالة جماعية أن تنفر هذا الجمال والاختلاف الواضح لحد كبير، وياسمين دون ذنب لها تواجه كل شرورهم التي تكون مرة بالحسد والغيرة والحقد، ومرة بالشك والارتياب من أصولها.بل ومحاولة اغتصابها وكسرها عنوة كما دبرت لها زميلتها سميرة الثرية في الكلية. تلك الخطة الشريرة عندما قامت بدعوتها إلى منزلها ومحاولة تخديرها؛ ليقوم أخوها بتنفيذ الخطة لولا أن أنقذها الله في اللحظات الأخيرة. وكأنهم لا يحتملون وجود هذا الجمال الصافي الكامل دون أن يقوموا بتشويهه، وربما بتره من المجتمع بمشاعر من الضغينة والكره لاغير، وهكذا أيضا كان معادل الحب لينطبق المثل الشائع"ومن الحب ما قتل". في كلا الحالتين شقراء البصرة تعاني معاناة شديدة ليس فقط لتعرضها لأحداث مؤسفة، ولكن أيضا لما يحدث للأخرين من كوارث حياتية بسببها سواء كانبالكره أو الحب. فمعاناة ياسمين تتجاوز آلام البشر العادية. والسبب إلهي وقدري أنها جميلة جمال فاتن وطاغ. حتى عندما عشقها ابن خالتها إلى حد الجنون كان حب خاطئ؛ لأنه فاشل في الدراسة ويعاقر الخمر ويعمل ميكانيكي سيارات في الحي الصناعي في البصرة. ورفضته الأم والابنة رفضًا تامًا لأن كلاهما طريقهما مختلف. فياسمين نموذج العلم والجمال التام بشخصيتها القوية والمثقفة والواثقة بنفسها وقدراتها. لكنه استمر يلاحقها حتى بعد أن تزوجت وأنجبت وتوفي زوجها ،وظلت ترفضه لاقتناعها أنه لا يصلح لها في كل الأحوال سواء فتاة أو سيدة أو حتى أرملة. لكنه متهور ومجنون وحاول قتلها وأصيب بلوثة وهستيريا حبه ودخل مستشفى الأمراض العقلية. ودخلت ياسمين المستشفى في حالة حرجة للغاية حتى شفيت وعادت إلى الحياة وكرهت نفسها بعد أن علمت ما حدث لابن خالتها .وانهارت وحطمت كل أدوات الزينة والمكياج وهي تبكي وتندب حظها لكل من أحبوها أو حتى كرهوها وحاولوا الاتتقام منها كما حدث لزميلتها سميرة التي قتلها أخوها بسبب أنها وقعت في المحظور مع زميلها وأصبحت حامل والتي في السابق حاولت أن تفعل في ياسمين نفس الموقف. فعاقبها الله بالقتل وأخوها بحكم السجن المؤبد.

ومع المسار الروائي تتعدد تلك اللحظات والشواهد المؤثرة في دورة الحياة؛ لتجسد تلك اللحظات إحالة قوية وفعالة التأثير تهدف إلى خدمة الشخصية الأبداعية عن مدى الوعي بالذات. وتشريح وتفكيك تلك التفاصيل بالبحث في عمق وجوهر هذه الشخصيات من أجل معرفة تلك الذوات ،وإضاءة الأحداث ووضع تصورات عن تلك الهوية  الشخصية .كما أشار (جوناثان كالر): (تُعد اللحظاتُ ذاتية الإحالة لحظاتِ جوهرية غالبًا في تأسيس هوية النص الأدبي ، شأنها شأن معرفة الذات والوعي بالذات الأساسيين في تصورات الهُوية الشخصية ).( p.11 ).(3). بمعنى أن كل هذا البناء السردي من أحداث وحوار يطاله ويتلاعب به محرك واحد داخل ملعب اللون الواحد؛ ليؤجج نهج التمييز الغير منطقي بكل أشكاله وعواقبه الخطيرة والمصيرية لكل شخص على حدا. حتى نشعر بهذا اللون وقد تحول إلى لعنة أو أسطورة غير مبررة من وجهة النظر العاقلة والموضوعية في تفهم الأمور. وخاصة أن ناريمان يعقوب فتاة عربية.ولولا تلك الحرب التي نشبت في لبنان ما قتل أباها،ولاهربت الأم ولا جاءت شقراء البصرة التي أحضرت التاريخ  الماضي المؤلم للحرب والنتائج المترتبة عليها ويدفع ثمنها الأبرياء. وجغرافيا مكان جديد في بلد أخرى لم تستطع تقبل واحتواء كل هذا الجمال والنور البهي داخل بيئة لديها ثقافة وعادات وتقاليد لها تصورات مختلفة وشائكة عن كيف تكون بشرة الأطفال عندما يولدون. لإ ما تلاحقهم العيون بالحسد والغيرة وتمتد مشاعر المغاير الغير مستحب إلى ما هو أقرب من العنصرية وراء ستار الريبة والشك أمام كل مختلف. ولو كان مجرد اختلاف ظاهري وشكلي لأقصى درجة. لأن ياسمين كانت من الداخل فتاة مطيعة وبارة بوالديها ومهذبة وذو خلق وملتزمة دينيا وعمليا ولديها من قوة الإيمان والضمير ما يجعلها أية في الجمال والعقل. وكل ما تتعرض له ناريمان مجرد تمييز لوني أخرق ولا معنى له إلا في عقول هؤلاء البشر الحمقى من وجهه نظر العقل.

وبين تلك الفترة الزمنية الممتدة من عام 1974م إلى موعد لقاء الراوي العليم بالأم السيدة سوزان صاحبة تلك الحكاية الحقيقية في عام 2018م في القطار السابعة مساءً ببغداد كابينة رقم 28 المتجه إلى البصرة.الروائي لديةموعد هام بدعوة من أحد زملائه، والأم سوزان في رحلة عودة إلى بيتها مع البطل الثاني زوجها السيد ناظم والبطلة الثالثة محور الرواية الدكتورة ياسمين طبيبة اختصاص نساء وتوليد في مدينة البصرة. التي كرست كل حياتها للعمل وتربية ابنتها الوحيدة.



هناك إحالة هامة  كانت بمثابة الشرارة التي فجرت كل تلك الاستلهامات السردية بتدفق لغوي ورؤية كاشفة تشف عن رؤية ثاقبة. وقد انساب الحوار بين السارد الواقعي بشخصه وصفته الحقيقي بأنه قاص روائي، وكان يقرأ في رواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان وقام باخبارها بحكاية الرواية وأنها رواية حقيقية وبها ولو قدر من الخيال والجهد الأدبي، وهذا من وجهة نظره أفضل في الأعمال الإبداعية. لأن القصص الحقيقية غالبا قليلة وقصيرة. لكن السيدة سوزان رغم أنها معجبة بالرواية، وتلك الحكاية التاريخية وما بها من خيال وإبداع .لكن ترى أن الحكايات الحقيقية أحيانا أيضا تتفوق على الخيال ولا تحتاج له، لأنها مكتملة العناصر ورغم اختلاف الآراء بين الروائي الحقيقي والسيدة سوزان. لكن ياسمين ناظم تلك المرأة الحقيقية التي جسدت شقراء البصرة أشعر أن بها  هذا التعالق الروحي والعقلي الذي لا يختلف في مغزاه مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة وقد تلاقت روح العالمة هيباتيا التي حاولت ان تتحرر بالعلم والاجتهاد وتكون مختلفة عن هؤلاء الغوغاء المسيحين الذين قتلوها بتحريض من البابا في الإسكدزية. بينما يأتي الراهب هيبا من منطقة أخميم في صعيد مصر ليدرس اللاهوت  والطب ثم يتوجه إلى فلسطين ثم  إلى دير قريب من أنطاكيا ويعيش صراع نفسي طويل مع العقيدة حتى يتحرر تماما  من جميع مخاوفه.  ويترك الدير باحثا عن الطريق الذي يريد السير فيه بدون شكوك أو هواجس أو استسلام. هكذا أصبحت شقراء البصرة فإذا كانت هيباتيا تحررت بالموت والراهب هيبا بالرحيل عن الدير والتحرر من كل مخاوفه هكذا أيضا شقراء البصرة تحررت من لعنة هذا الجمال الصارخ ،وكل مباهج الحياة وأهدت عقلها وروحها وجمالها ووقتها وثراءها وكل ما تملك للبحث والدأب والعمل من أجل خدمة وإنقاذ حياتهن وتوليدهن أبناء الحياة التي وهبها الله لهن من خلال عملها وإخلاصها لوجه الله. وهذا هو معنى الجمال الحقيقي.

 لا شك أن اختيار الروائي لرواية عزازيل كانت بمثابة كشف موجه بقصد إبداعي لتفعيل اللحظات الذاتية في هذا البحث الشائك عن الهوية الشخصية، وهل هي مجرد لون للبشرة أم روح قوية ومثقفة أم رسالة عالية القيمة؟ّ! وأن الجمال من الممكن أن يكون نقمة عندما تتلقفه مخالب مجتمع محدود وصارم التصور أمام رؤية الآخر. ومن المنطقي والطبيعي أن يكون الجمال نعمة من نعم الله التي لا تحصى علينا؛ لأنه منحة وهبة تستحق أن نحافظ عليها ونستخدمها استخدام صحيح ومفيد كما فعلت الطبيبة ياسمين ناظم التي تعرضت للظلم والقهر من الجميع حتى أقرب الناس إليها مثل العالمة هيباتيا التي حرض بابا الاسكندرية على قتلها، والراهب هيبا التي حاولت الوثنية اوكتافيا اغواءه وياسمين التي حاول أسمره قتلها. لكن جميعهم تحرروا بالبحث والعلم وقوة الايمان.

الهوامش:

رواية ( شقراء البصرة) ، عبد الزهرة عمارة – ط1: 2019م ، دار نشر أمارجي للطباعة والنشر– العراق.

انظر المصدر: التفكيك والأدب :" هيدجر–بلانشو- دريدا". تأليف: بتموثيكلارك.ترجمة : حسام نايل ، الناشر : مؤسسة هنداوي – 2023م.ص:135

(م . ن) ص:19




 



قوارب الموت للكاتبة السورية / هيفا رعيدي حماه - سورية


 

قوارب  الموت

بعد مساءات غابرة،شاحبة أصروا على الرحيل..
سمعوا برائحة الموت البطيء ومرارة الجوع في البحر المخيف .
سمعوا بمن لقوا حتفهم في نهاية فصل التوق للحياة.
مع ذلك انتشوا بفكرة الهجرة الأمل الوحيد بعد السراب، فضلوا الركوب في قارب الموت،في بطن البحر القاتم.
رددوا وحلموا بانتظار الفرج الذي غادر حدود اللانهاية.
أجل عيونهم حبلى بآمال كبيرة في بلد المجهول.
بدلاً من موائد التسكع في بلدهم بلد الخير.
ظمأ الحب والامل تلاشى....
وساد البؤس والقيظ والفسق.،
سكن الأروقة والأماكن.
وحكايات الألم لم ترقد ابداً.
كل يوم حكاية تتعالى كالغيوم الداكنة تعلن أنها حبلى بالآلام تريد المخاض السريع.
أغلبهم شباب مثقف وجوههم مرهقة غافية في قاع الخوف.
رموا شهاداتهم على رصيف مجهول الهوية.
هربوا من حيتان بأ وطانهم فابتلعتهم حيتان البحر.
زهرة شبابنا يذوب حلمهم بمواسم القطاف لايحصدوا سوى الدمع والحسرة
الا من حالفه الحظ يقطف ثمار عقله الغرب الئيم.
هناك في قاع البحر أمواج الموت لفظتهم لثقل همومهم ..
أجل لفظتهم لشاطئ الحب الذي كانوا يبحثون عنه،
لكن بعد فوات الأوان
هنا بجزيرة أرواد السورية من تحمل على أرضها أولاد عشتار
كان الناس يتسارعون لملء القوارب بمازوت الذهب الذي يحتاجونه بشتائهم القارس ،ناسين مافعلت بنا دول شقيقة وصديقة ...
أجل لقوا حتفهم في نهاية فصل التوق للحياة.
أضحواجمود قاهر مجهول الهوية.
ومع ذلك..
ورغم الألم...
سابقى ببلادي لن أغادر ألاقي حتفي بين ناسي أفضل من مجهول الغرب .
الذي بدأ يفتح زراعيه ويفتح اشرعة بواخره لاستقبال هواء اصفر وبرد قارس لم يألفوه رغم قساوة تضاريسهم
هناك سم قادم لهم
صانع السم شاربه وهناك شهب
قادم وفجر آت يحمل الخير
بقلم  / هيفا رعيدي
حماه  - سورية
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏ابتسام‏‏

{ عناق الأرواح } للكاتبة السورية / فوزية الكوراني

{ عناق الأرواح }

فتح عدنان عينيه تسمّر بصره في السقف برهة، نظر إلى الساعة، قام مسرعا هرع إلى الخارج اقتطف بعض أعواد الريحان من أرضه وأسرع في خطاه إلى مقبرة القرية، الذي يعيش فيها
وضع الريحان على القبر، وجلس يحاوره؛ حبيتي تأخرت عليك أعرف إنك تنتظرين زيارتي، وتريدين سماع أخبار أولادنا، وبدأت دموعه تنهمر بغزارة، سنة على رحيلك، وأنا أحاول الثبات أمامهم وأقوم على رعايتهم كما كنت تفعلين،
لكن أعترف لك دون خجل أنني أضعف مما كنت تظنين، أنا غير هذا الرجل القوي الذي كنت تشاهدين! كنت أستمد القوة منك دون أن تشعرين،
وأخفي ضعفي وراء صبرك لكي تشعري إنك تسندي ظهرك على حائط متين!
لكن هذا الحائط إنهار، تفتت برحيلك لم أشعر أنني تجاوزت الستين عاما إلا بموتك..
كفكف دموعه وتمتم أعرف لاوقت للدموع يجب أن لاأتاخر على الأولاد.
لكن أود إخبارك، أن كل يوم ولدنا زاهي يبكي بدون صوت وهو يحرك كرسية بحركات جنونية أمام صورتك وأحيانا يرفض الطعام، ويبقى يوما كاملًا بلا طعام ولاشراب!
حتى يرى دموعي مع توسلاتي، فيأكل مع وعدي له انني سأتي به لزيارتك، أما ولدنا شادي فلا لاأستطيع تركه بلا قيود بعد رحيلك! أخاف عليه أن يخرج إلى الشارع والأطفال ترميه بالحجارة وتعذبه، لاتخافي هي ليست قصيرة أتركه يخطو بكامل الغرف ويفعل مايشاء، وكل يوم أجلب له ألعاب جديدة، والدكتور يأتي كل اسبوع للعلاج ويقول أن حالته ساءت برحيلك وأصبح عقله في تراجع وقال إنك كنت تفعلين بيوم معه مايفعله هو بعام! حتى نوبات الصرع ازدادت لا أعرف ماذا كنت تفعلين أكثر مما أفعل؟ لكنني على


يقين أن هو ذاك الحبل السري له سحر لا أستطيعه! بدأت أشعر بالإحباط،
لا أعرف كيف تحملت ياحبيبتي كل هذا العناء والجهد خلال العشرين عاما! منذ أن خرجا زاهي وشادي توأمًا إلى الدنيا؟ واحد معاقا عقليا والثاني مشلولًا!
أعرف أنني السبب! نعم أنا من أحببتك وأنا من سعيت للزواج بك رغم أنك ابنت عمي وخالتي، وحذرنا الدكتور من الزواج من أجل (الجينات الوارثية) وأمراض الدم!
لكن حبنا كان أقوى لم نستطيع الوقوف أمامه، حبنا الذي صمد أمام العائلة،
وجعلنا نترك لهم المدينة ونهرب إلى الريف ونتزوج ونعيش فيها بعيدا عن الأهل والأقارب!
يوم ولادتك؛ جاءت أمك لزيارتنا خلسة من والدكّ قلبها انفطر عليك واسمعتني كلام قاسي! لكني عذرتها.
يومها شعرت بفادحة إصرارنا على زواجنا وهذه الكارثةالتي أورثناها لطفلينا!
قبلت يداها لكي تأتي لزيارتك كلما سنحت لها الفرصة، لكنك أنت بقيت صامتة صامدة، وكأنك تقولين لاأريد أحدا، أريدكم بعيدًا عن حياتي! أعترف أنك كنت أقوى مني..
أعترف أن جَلدَكِ أعطاني القوة والمدد..
آ.آ.آه ياحبيبتي كم أنا تعيس وضعيف بدونك، أحاول أن أقوم بدورك مع الأولاد لكن أشعر بالفشل! لاأرى أنني أعوضهم عنك ولو قليلًا،
زاهي الذي عقله كاملاً حزنه عليك كبيرًا ولايوصف، وكل يوم يزداد وصورتك لاتفارق عينيه!
حتى شادي كل ليلة؛ يزداد شراسه، وهو لايريد أن ينام حتى تعودين! هو يعرف أنك مسافرة وستأتين، ويتوعدك عندما تأتين أنه لن يكلمك ولن يسمح لك أن تقومي بتغسيله..
كم تمنيت لو أنا الآن مكانك وأنت مكاني، لكان الأولاد وضعهم مستقرًا، أفضل مما عليّه الآن.
بتّ الآن أخاف أن أموت ولاأعرف ماذا سيحصل لهم!
في يوم قال لي الدكتور لماذا لاتضعهم في مصح لكي يأخذوا العناية التامة، لكني رفضت بشدة، كلماتك الأخيرة طنين لاينقطع في أذني وأنت في سكرات الموت:
زاهي وشادي أمانة في رقبتك لاتبعدهم عنك حتى الموت! هل أسرّ لك بأمر: أتمنى من الله أمر غريب؟ وهو أن يأخذ الله أمانته ويتوفى الأولاد قبلي! لكي أضمن لهم الراحة الأبدية خوفًا من أن يأتي أحدًا بعدنا يظلمهم..
رغم أن أختي الصغرى لم ترزق بأولاد، وزوجها طلقها وقلبها رقيق أنت تعرفي ذلك، جاءت لزيارتي بعد رحيلك وطلبت أن تبقى معي لرعاية الأولاد، ولمست منها صدق وحنان عليهم بعد أن قضت نهار كاملا معهم، إلا أنني رفضت بشدة لاأريد أحد يراعاهم غيري لكي تنعمي في قبرك،
لكن لا أخفيك سرًا؛ تكلمت مع المحامي وطلبت منه أن يسجل الأرض الذي زرعناها حبا قبل الزرع.. والبيت الذي بنيناه بحبنا ووفاءنا لبعض؛ بإسم ولديّنا وأن تكون الوصاية عليهم لأختي الصغرى بعد موتي، لأني واثق أنها حنونة وسترعاهم حق الرعاية..
أعرف أنني أطلتّ الغياب على الأولاد، والآن حان وقت إطعامهم.. سأعود لزيارتك لاحقًا، وسأحاول أن آتي بالأولاد معي ربما يأنسوا بزيارتك ويشعرون بالراحة!
كفكف عدنان دموعه من جديد وخرج مسرعًا من المقبرة.
على مشارف المنزل سمع صوت ضجيج الناس، وألسنة النار تلوح من منزله! هرول مسرعًا ليدخل لإنقاذ أولاده؛ منعه بعض الجيران! لكنه لم يأبهّ، ودخل لينقذ ولديّهِ ولم يخرج!
وحين وصول سيارة الإطفاء كان المنزل رمادًا بكل مافيه.
فوزية الكوراني / سوريا
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏نظارة‏‏ و‏نص‏‏

كأنها لم تكن هنا للكاتب المغربي / رحال لحسيني



كأنها لم تكن هنا

(إلى إنسان ما قد تشبهه الحكاية!)
صدمة كبيرة جدا. شاهدَته كعادته مبتسما، هل هي هذه الحرب الجائرة، أم حادث غادر، ربما ذلك الصامت القا... تل. كلهم سواء يحاصرونه فجأة كقطاع طرق، كلصوص أوغاد لا يرحمون، يسلبونك متاعك وسكينتك وساعة صحوك.
لم تعلم أن إحدى قدميه التي طالما راقصها بهما ربما بٌترت.
لا زالت عزيمته قوية كما كان، يصارع في عدة جبهات. تفادى أن يظهر لها أنه شاهد وقع التأثر في عينيها، تجاهل شطط حزنها. ابتسم في حضرة بهائها القاسي، وقال:
- لا ينهزم في الحب من لا تهزمه مرارات الحرب.
رمقته بنظرة شديدة الإعجاب من قوة عزيمته، ارتبكت كلماتها، أصرت على نطق ما لم تستطع التعبير عنه، قالت:
- كأني لم أكن هنا ؟...
طاف بضيق خاطرها شيء ما. غمرتها قشعريرة جارفة، ضمت ذراعيها إليها، ولاذت بالصمت.
كيف له أن يُضاهي رايات لا يحملها الأقوياء، عزيمته لا تنضب، ترافقه قصص البطولات القديمة، الطبقات، الفئات، القبائل، الجماعات، الشعوب، الدروب،... المرافئ البعيدة تدنو من بريق عينيه، الأحلام تطير إلى مدى أفكاره الجامحة.
تمر بخيالها قرب بسمات روحه الثائرة، ترفرف فراشات ربيع مارق، تنبأ بحقول قادمة من جفاف الأيام. تسافر خلف خطواته العابرة لمدارات الظلام، تنتفض وجناتها الٱتية من حروف لا تستكين في ساحته، تضيء شفتيها النافرتين، تهمس بقوة في جدار صدره، تخامر ذهنها ذكريات شامخة باللونين الأبيض والأسود.
الورد لا يتفتح في نافذتها إلا حين تشم رائحته.
لا احد يستعيد نَظَارَتَهُ في باب حكايتها، توصده على أصابع الضجر. تسافر إلى أغنية هادرة تنبض بسماع صوته، كلماتها تحلق من مكان ما في قلبه.
رحال لحسيني
المغرب
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

السكرُ اللَّاذعُ للكاتب المصري / محمد خيرالله



 السكرُ اللَّاذعُ

وحيداً أبقى في هذه الغرفة، أو ربما هذا ما أشعر به، بأعلى زاوية السقف يَسكْنُ عنكبوتٌ، يتدلَّى بخيطهِ الغير مرئي ليلتقِطَ بَعْضَّ صِغارِ البعوضِ الذي يتَخبَّطُ في أروقةِ المكان، تقتحمني أفكارٌ كلَّ ليلةٍ وأوقات كثيرة قُربَّ بزوغ الفجر، تُمزّقني إلى أشلاءٍ مبعثرةٍ دونَ رحمةٍ، لكن دائماً ماأستَّجمعُ قواي، أرتبُ بعضاً منها،أسْتَّندُ عليها، ثمَّ أذهبُ إلى عملي الممقوت، كم تمنيتُ تكراراً أنْ يَتجسَّدَ في هيئةِ شخصٍ؛ فأقتلهُ من بعيدٍ حتى لايراني!
،لكن دائماً أردد عبارة منقوشة أعلى شرفة المنزل "أنا في أمسِّ الحاجة إليه ريثما أموتُ أو يهبطُ عليَّ كَنْزٌ من السماءِ"، إنَّها المُعجزاتُ غير الممكنةِ، على كلِّ حالٍ، لزاماً عليَّ أنْ أرتدي معطفي الثقيل، أخرجُ من هذا الكهف المظلم الذي أعتدتُ عليه، أُسرع الخطى نحو محطة القطار، تتعثرُ قدماي في هذه الأحجار السوداء الموضوعة بإتقانٍ بين قضبان السكك الحديدية، أنظرُ للخلفِ، حتى لا يَلْحقُ بي أحدُ الأشخاصِ الذين اِعْتادوا في نفس الوقت والمكان أنْ يتهافتوا على ذلك الرصيفِ المقابل؛ فيفوزوا بموضعِ قَدمٍ في العربةِ الأخيرة
الملاصقة لعربة نقل البضائع والحيوانات، هذه العربة منزوعة المقاعد، أو بالأحرى تُوجَّد بقايا قطع حديدية مُهشَّمة، يُعْتقدُ أنَّها تَرجعُ لعصرِ العرباتِ ذواتِّ المقاعدِ الخشبيةِ، هذا ماحكاهُ لنا مِنْ قبلُِ رجلٌ كان دائماً يجلسُ بجوار فتحةِ البابِ المُهدَّمِ نِصْفَهُ، على كلِّ حالٍ الأجسادُ القويةُ تَفوزُ بها ويجلسون عليها، أماالضعفاءُ فيتسمرون في هذا الفرسخ اللعين، يتملكهم رعبٌ شديدٌ مخافة ضياع المكان أو تَسلَّطُ أحدُ الركابِ ذوي الهيمنة عليهم، عَبْرَّ السياجٍٍ الحديدي تَعْلقُ اِمرأةٌ عجوزٌ، وهى تحاولُ اللحاقَ بالقطارِ القادم من بعيدٍ، المارةُ هنا وهناك لم يلتفتوا إليها؛ فقد كانتْ أعينهم مُثبَّتةً على تلك الفتحة التي تشبه فتحة القبوِ إلاَّ أنَّ الأخيرةَ ثابتةٌ والأخرى مُتحركة، لم يستغرقني التفكيرُ طويلاً، وهكذا لم تثرني الاهتزازات الارتدادية العنيفة لصوت عجلاتِ القطارِ الضخمة، سُرعانَ ما رَجِعْتُ إليها وخلَّصتُها من هذا القيدِ بعد أن تمزقتْ قطعة كبيرة من جلبابها، صوتُ بُكائها يهزُّ وجداني، لا أعلمُ أ دموعها المنهمرة سببها عدم اللحاق بالقطار أم هو فقدانها آخر أثوابها البالية!؟ حاولتُ إرضائها بكلماتي الرقيقة، ثم خلعتُ معطفي، ألبستها إياهُ، ربما الآنُ أشعرُ بالدفءِ قليلاً، ثُمَّ ضحكنا ملياً عندما سمعنا صوت منادٍ القطار يقول:
" على حضراتِ السادة الركاب الذين لم يحالفهم الحظُ اللحاق بالقطار، أنْ يتجهوا إلى عربةِ الحيوانات، وألاّ تقلقوا منها فهى أليفةٌ".
محمد خيرالله، مصر
قد تكون صورة ‏‏‏‏شخص واحد‏، و‏لحية‏‏، و‏‏ابتسام‏، و‏نظارة‏‏‏ و‏غرفة نوم‏‏

إليك عنقي للكاتبة المصرية / نجوى عبد الجواد



 إليك عنقي

اليوم نقرأ الفاتحة ونتفق على الشبكة، سوف أطلب لكِ مهرا كبيرا يتناسب وجمالكِ وحسبكِ ونسبك. لم أحاول إخفاء سعادتي البادية على وجهي لأن أمي ألقت إليَّ بالخبر وخرجت. محمود قريبنا الوسيم الذى تتمناه جميع الفتيات، ما أسعدني.
نظرتُ لأمي وأنا أحاول أن أداري حزني :لماذا فسختِ الخطبة يا أمي؟ محمود شاب مهذب كان سعيدا بي، وهو قريبنا.
هذا المهذب تجرأ وقال مالم يقله أحد قبله.
ماذا قال؟!
انتقد والدكِ وتَرْكه زمام الأمور لي كما يدَّعي، ودعاني أن أترك له الدفة وأعود إلى مكاني.!
لا يقصد، سوف أجعله يعتذر لك.
لن أقبل.
لقد تحداني، يظن أن العرسان سيبتعدون بسببي، كيف قالها هذا الوقح؟!
لكن يا أمي.
انتهينا.
صوت حاد يخترق أذني، اعتدت عليه مع كرهي له، يزورنا كثيرا عم حمدي قريبنا، ويقطع سعاله المتواصل شكواه من زوجه التى كبرت وأولاده الجاحدين. كان صوت أمي عاليا ربما ليغطي على السعال ويصل إلى أذنيه، إنها ترغب في تزويجي قبل أن يخطب هذا المغرور- كما تقول عنه-، يهدأ السعال قليلا وبصوت مازح يقول عمي حمدي :خلاص أتزوجها أنا.
لم تمر لحظات وسمعتها تعطي الموافقة!
وجهه يعلوه الدهشة، وربما غاب بذهنه عن المجلس لدرجة أنه لم يسمع صوت ارتطام جسدي بالأرض.
أتوسل إليك يا أبي إنه أكبر منك، أقبِّل قدميك يا أمي لا أريده .
أنتِ صغيرة وأنا أدري بمصلحتك.
أمي، أرجوكِ....
زوجتك ابنتي
وأنا قبلت.
أري في نظرات عمي حمدي شفقة وندم، سمعت أنه ذهب للشيخ يسأله عن جواز زواجي من ابنه بعد العقد الذى تم، وكان النفي هو الرد.
تعاطفت معي زوجه الأولي وأنا أدخل بيتهم قطة خائفة ترتجف يصاحبها سعال عم حمدي، أخذتني في حضنها، ولم أبرح هذا الحضن الدافيء شهورا عدة. لم يعجب هذا أمي خاصة بعد انتشار الخبر، وأجابها عم حمدي لما أرادت. فرحت بالتخلص من هذا القيد، وحزنت لأنني فارقت أبوي: حمدي وزوجه!
الآن بعد أن بلغت العشرين يخرج زوجي حسن- الذى قبلت به أمي بعد ثلاثة أعوام من طلاقي ورأته عريسا جيدا لمن في مثل ظروفي -إلى عمله ويحسن إغلاق الباب بالمفتاح بعد أن حلف يمينا ألا أنظر من شباك ولا أدخل بلكونة، بعد أن سمع شباب عائلته يمتدحون جمالي ويغنون أغنية الغراب و اليمامة. من البداية قال لي إما السمع والطاعة وإما جوار أمك الحاكم بأمره. تباعدت زيارات أهلي حتى كادت تنقطع وساءت علاقته بهم ولزمت البيت وانضمت إليّ ابنتاي!؛ لاخروح بعد المدرسة مطلقا ولا اختلاط بأهل ولا جيران. أما ابني فهو الحارس الأمين على تنفيذ أوامر والده!
ظن الجميع أنني أبكيها، والحقيقة أنني أبكي حالي، ولم أجد كلمة رثاء أودِّعها بها! قبل أن أعود مع حارسي إلى سجني الأبدي الذى ضم معي خريجتي جامعة هما سر بقائي في هذه الحياة .
وذات صباح انكسر القفل وفُتح الباب علي مصراعيه؛ ليخرج سجَّاني منه للمرة الأخيرة إلى حيث يسأله ربه عما جنت يداه. أحملق في الجمع ، أكاد لا أعرف الغالبية، وهم كذلك يبحثون عن فاطمة فلا يجدونها، ذهول يسيطر على كل من يتعرف على صاحبة هذا
الهيكل! إنها فاطمة، معقول هذا!.
أدس قدمي في الحذاء، لا يطاوعني، نسيت كيف يلبس وكيف أمشي به وقعت مرة ومرات وأنا أهرع إلى الخارج مع شروق الشمس ونسمات الصباح الأول بلامتاريس ولاقفول! انطلقت أتلفت حولي، القرية تغيرت، لمن هذه البيوت؟ هل سأعرف طريق بيوت أهلي! ؟
بمن سأبدأ؟ والدىّ ماتا والبيت مغلق، أعمامي ماتوا ولا أعرف الأجيال الجديدة، أخي سكن القاهرة منذ سنوات، أختي، هي أختي، معذورة، لم تأت العزاء، زوجها السبب، أحفظ الطريق لبيتها هممت مسرعة، عيناي أظنهما تلمعان بالسعادة ثم، ثم توقفت ،... ماذا لو غضب زوجها من زيارتي المبكرة هذه،؟ وماذا يقولون :تركت عزاء زوجها وجاءت تزورنا.! . سوف أعود..
وجوه كثيرة بدأت أراها من تحت النقاب، اليوم سوق وبدأ توافد الجميع عليه، كان المرحوم يذهب للسوق مبكرا.. المرحوم! إنه اليوم الثاني ربما أقبل أهله الآن إلى البيت، بالتأكيد استيقظ الدكتور، لابد من العودة، أين الطريق؟ هل تهت؟! من فضلك بيت المرحوم حسن مفضل. أشار يمينا فيسارا.
أمامي واقفا يقفز الغضب من عينيه
أين كنتِ؟ ولِمَ خرجتِ في هذا التوقيت ولوحدكِ ودون علمي؟! .
اخفض صوتك الناس تسمعنا.
يهم بضربها، تصرخ :ليس لك سلطة عليّ، لقد خرجت وأختي من هذا السجن.
تدخلت: اهدأ يا بني أرجوك اهدأ.
صرخ: لن يتغير شيء بموت أبي، ليكن هذا مفهوما للجميع. خلعت حذائي، ألقيت به بعيدا، أغلقت الشباك كما كان من قبل، والتفتُ إليه معتذرة :لاتغضب، كلامك فوق رأسي، لن أخرج قبل إخبارك - هذا إن خرجت يوما-، فقط أتوسل إليك إن كان لي عندك خاطر يا بني،
لاتحكم غلق الباب عليّ، واسمح لي أن أتنفس.
نجوى عبد الجواد / مصر
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏ابتسام‏‏ و‏حجاب‏‏

مشاركات مميزة

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA .. Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language and Literature, University of Tirana (1986).

DR. MUJË BUÇPAPAJ - ALBANIA  Poet Mujë Buçpapaj was born in Tropoja, Albania (1962). He graduated from the branch of Albanian Language...

المشاركات الأكثر مشاهدة