كؤودٌ أنا وثلاثة وجوه!
هذه المرة استيقظت كأن روحي تصعّد إلى السماء ويحلُّ محلي آخر بهندامٍ يغلب عليه سفسَطة الألوان الزاهيه؛ أتُرى—ما الشخصية التي كنتُ على إثرها تلك الليلة الفائتة؛ وهائنذا أهرع من الفراش تارةً أخرى لأغتسل وأنفض زي المُهرج الذي اعتلى وشاح جسدي بعدما تقمصت الدور على أتمّ وجه كما يتراءى لديّ، تَبِعات أحلام اليقظة التي تراودني وتغتال هدأة العتمات لأتقمَّص دور البهلوان الذي يزدهي بحيَله السحرية وأساور يديه وشعره الكستنائي ورابطة العنق المزركشة، غريب الأطوار أنا ويعلو وجنتاي أحمر الشفاة؛ من المؤكد أن هناك فتاة ليلٍ روضت ذاك المعربدِ بداخلي وانهالت بقبلات ممهورة، لا أعلم ما حدث بعدها..
الآن أقف أمام مرآتي-أنا المدعو (ساتيريك)؛ أعتقد أني سمعت تلك الضحكات الماجنة ووجهي الممتقِع من هول الصدمة، حتى اسمي مثير للتهكم والازدراء، أخذت شهقة وجحظت مقلتاي حتى أستدعي ذلك الكامن بداخلي كأني أعاني من الفصام، وجدتُ انعكاس درجٍ مفتوح بالغرفة، صورةٌ هناك ترقدُ في القاع تحدثني مصرِحة: "أنا (إيلينا) حبيبتك، لماذا قتلتني بدمٍ بارد؟!" مازلتُ أقترب من صورتها فتنبو كشبح هائل بعينين حمراوتين وأحمر قاني يعلو ثيابا بيضاء لعشيقتي الراحلة، تواتر ردي بصوت متحشرج:" لستُ أنا! لم أكُن أنا بل هوَ!"، فتجيب"كَلاَّ.. بل أنت وهو شخصٌ واحد أيها المجرم"، مازلت في ضلالي وعبثي ممسكاً صورة مثخنة بذكرياتٍ مؤلمة تشطر القلب نصفين، فجأةً—صدر مني صوتاً أجش يزأر ليرعب ذاك الشبح الغير معتاد في باكورة الصباح: "أنا بالطبع - أيتها الخائنة ؛ لقد رأيتك مع غريمي تتبادلان أفعالاً يندى لها الجبين، ما الذي تخبريه عني؟ هل كنتِ تتقربين لتحصلين على معلومات تفيد شراكتكما لإسقاطي؟! تستحقان شر الجزاء"، تدافعُ المجني عليها ” ليس كذلك! أنتَ هو الخائن من بادرت بوأد العشق بيني وبينك مع أقرب رفيقة لي، هل نسيت (جوليانا)؟ "،" لست بحاجة لأبرر أفعالي ولم أكن أبادل الحب مع ذاك الصاح بل كنت أبرم معه الشراكة محاولةً انقاذك من الإفلاس بعدما بذلت كل ما تملك في المقامرة ومقارعة الكبار دونما دراسة جدوى لمشروعك.. أيها المغرور! "،" لم أتوانى لوهلة عن مساعدتك وأنا جَدُّ صادقة بحبك الحقيقي وجذوته التي أحرقتها بنار غيرتك العمياء".
حينئذٍ-أمسكت بلطةً وغرزتها في منتصف الصورة لتنفذ في راحة يدي فتنزف بغزارة، شرعت في صراخات تومض أغلال الصمت في الصباح، وإذا بالباب يطرق وأنا أتأوَّه؛ (جوليانا) الصديقة الشمطاء لحبيبتي، آتيةً إلى مخدعي لتضميد جرحي، أنظرُ إليها كأسدٍ جريح يبصر لبؤة هي مصدر كل الشرور والمكائد: "لمَ.. لمَ تركتني أقتلها؟ تدركين أنها تعشقني ولكنك كالأفعى الرقطاء تبُخين سمك الزعاف لأتخلص منها وتخلوَ لك الأجواء". ردّت بلا هوادة: "أتحاول أن تداري جرمك القبيح لتجعلني شريكتك؟! مابالك بأنَّا قمنا بدفنها سويا!" أسهبت في وصفها لما حدث منهما وكيف استدرجتها إلى مكان مهجور إليه في دجنة الظلام ببقعة نائية ثمّ ركلها في حفرة عميقة لتلقى حتفها فيبدو الأمر أنها عثَرة في هوَّة أدى للوفاة، اقتنعت بكلامها ولكنَّ حَدْسي يُخبرني بسرٍ ونقطة مفقودة في تلك الدوامة؛ أيا ترى؟! أين ذاك الصاحب؟ لم أعد أتذكر أي شيء عنه فقد تلاشى كالهشيم تذروه الرياح، إبَّان التئام ذاك الجرح تقمصت ثياب رجل الأعمال الفذّ صاحب الإنجازات الذي تتحدث عنه أوساط المجتمع ظاهرياً ولكن في الأساس حريٌّ به أن يغلق أسواقه ويعترف بالفشل أمام الملأ بل الغباء، ذاك البُهرج الخداع لم يدم طويلاً فما لبِسَ أن جاءتني جوليانا لتخبرني أنها عرفت موطِن غريمي (شايلوك) متنكِّر بهيئة شخص آخر بعدما سلب أموالي في المضاربة وكان سببا في إفلاسي، لم أكن أعلم بما يُحاك ضدُّي من المعشوقة والداهية الآخر، أخبرَتني بأن صديقي يعرض علي أموالا طائلة مقابل الاستيلاء على أصول الشركة ومجلس إدارتها وسأكون مديراً تنفيذيا؛ إلاّ أن ذاك التدبير باء بالفشل؛ فأنا المكلوم الذي فقد حبيبته وشقَّ عليه الأمر في الارتقاء بتجارته والربح منها—وجدتُ ورقةً بحقيبة الماكرة لإيذانٍ بسندٍ ماليٍّ فَلَكي باسم غريمه إليها؛ المُقابل؟!
مازالت مراقد الأحزان تعربش بالأذهان، أتخيلها الآن تلك الضحية تتغنَّج إلى مثواها الأخير لأسلبها روحها وينعها وأطلق العنان لخضراء الدِمن لتستوطن عالمي كأني نعامةٌ ربداء بثياب البهلوان والمجرم والتاجر، أفتِّش عن كينونتي في معترك الأيام؛ لا شيء إلايَ وصورةٌ أحتفظ بها تنبش في ماضٍ تليد منقوشٌ عليها(فداك رَوحي)، ألملم الآن الدليل بأني كنت الأبلَه—هل سيكون الثَمن رَوحي ؟ أم ستكون العدالة الناجزة قد سبقتني للقصاص؛ طاوعتُ مآرب تلك اللئيمة لتستدرجني بنفس الوتيرة لعرين ذاك الخسيس، سأنتقم وقد يكون للقانون الإلهي المقام الأول، تقابلنا وكانت المواجهة معه قبيل تواجدها، أردته أن يتجرع ذات الكأس فأخبرته أنها تتلاعب به كي ندمره تدميراً حتى لو كانت روحَه هي الثمن؛ اشتاط غضباً ومكَر لها في حضورها فاستلَّ سلاحَه ليرديها قتيلة، لكنّ سماعه سرينة الشرطة ورجال المخفَر جعلاه يوجه سلاحه نحوي أنا—بهيّ الطلة لم أعد يحدجني الذَنبُ لأتماهى مع عنقاء حريتي بثيابٍ فسيفسائية الألوان في الجنان مع وئيد آخر بصيصٍ لصورتها أضُمها إلى صَدري.
أحمد بيضون - مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق